للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العَالِمِ (١) وَلَا عَكْسَ) أي: والعالمُ لا يَحتاجُ في عِلمِه إلى المجادِلِ كما يَحتاجُ المجادِلُ في جَدَلِه إلى العالِمِ، وليسَ حدُّ الجدلِ بالمجادِلِ ألَّا يَنقطِعَ المجادِلُ أبدًا، ولا يَكونَ منه انقطاعٌ كثيرًا إذا كَثُرَتْ مُجادلتُه، ولكنَّ المجادلَ مَن كانَ طريقُه في الجدلِ مَحمودًا، وإن نالَه الانقطاعُ لبعضِ الآفاتِ الَّتي تُعرَفُ.

(وَ) يَنبغي (ألَّا يَتَكَلَّمَ فِي) مجالسِ الخوفِ، فإنَّ الخوفَ يُذهِلُ العقلَ الَّذِي منه يَستمدُّ المناظرُ حُجَّتَه، ويَستقي (٢) منه الرَّاوي في دَفعِ شُبهاتِ الخصمِ، وإنَّما يُذهِلُه ويَشْغَلُه بطلبِه حراستَه نَفْسَه الَّتي هي أهمُّ مِن مذهبِه ودليلِ مذهبِه. واجتنبْ مُكالمةَ مَن تَخافُ؛ فإنَّها مُميتةٌ للخواطرِ مانعةٌ مِن التَّثبُّتِ، واحذرْ كلامَ مَنِ اشتدَّ بُغضُك إيَّاه؛ فإِنَّه داعيةٌ إلى الضَّجَرِ والغضبِ مِن قِلَّةِ ما يَكُونُ منه، والضَّجَرُ والغضبُ مُضَيِّقٌ للصُّدورِ مُضعِفٌ لقُوى العقولِ.

واحذرِ المحافلَ في (المَجَالِسِ الَّتي لَا إِنْصَافَ فِيهَا) في التَّسويَةِ بينَك وبينَ خصمِك في الإقبالِ والاستماعِ، ولا أدبَ لهم يَمنَعُهم مِن الشَّرعِ إلى الحُكمِ عليك، ومِن إظهارِ العصبيَّةِ لخصمِك. واحذرْ كلامَ مَن عادتُه ظلمُ خصمِه والهُزءُ والتَّشفِّي لعداوتِه، وعليك بالصَّبْرِ (٣) والحِلمِ، ولا تَنْقُصُ بالحِلمِ إلَّا عندَ جاهلٍ، ولا بالصَّبْرِ على الشَّغَبِ للمسائلِ إلَّا عندَ غبيٍّ، وتَرتفِعُ عندَ العلماءِ وتَنْبُلُ عندَ أهلِ الجدلِ.

فائدةٌ: قالَ ابنُ عقيلٍ في «الواضح» (٤): فصلٌ في الغضبِ الَّذِي

يَعتَري في الجدلِ:


(١) في «ع»: العلم.
(٢) في «د»: ويستسقي.
(٣) في «ع»: الصبر.
(٤) «الواضح في أصول الفقه» (١/ ٥٢٤).

<<  <   >  >>