وقد اختُلِفَ في هذا؛ فالجمهورُ على أنَّه (دَعْوَى دَلِيلٍ، لَا نَفْسُهُ) أي: لَيْسَ هذا نفسَ الدَّليلِ، فإذا قُلْنا: وُجِدَ المُقتضى، معناه: الدَّليلُ، ولم يُقِمْ على وُجودِه دليلًا (١).
(وَالِاسْتِصْحَابُ) مبتدأٌ، خَبَرُه قولُه: دليلٌ (وَهُوَ) أي: الاستصحابُ (التَّمَسُّكُ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ، أَوْ) دليلٍ (شَرْعِيٍّ لَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ) أي: عن الدَّليلِ العقليِّ أو الشَّرعيِّ (نَاقِلٌ مُطْلَقًا) أي: لم يَظهَرْ دليلٌ يَنقُلُه عن حُكمِ الدَّليلِ المُسْتَصْحَبِ، والمعنى: إذ كانَ حكمًا موجودًا وهو محتملٌ أن يَتَغَيَّرَ، فالأصلُ بقاؤُه ونفيٌ ممَّا يُغَيِّرُه.
وحقيقةُ استصحابِ الحالِ التَّمسُّكُ بدليلٍ عقليٍّ تارةً يَكُونُ بحُكْمِ دليلِ العقلِ، كاستصحابِ حالِ البراءةِ الأصليَّةِ، فإنَّ العقلَ دليلٌ على براءَتِها وعدمِ توجُّهِ الحُكمِ إلى المُكَلَّفِ، وتارةً يَكُونُ الاستصحابُ بحُكمِ الدَّليلِ الشَّرعيِّ، كاستصحابِ حُكمِ العمومِ والإجماعِ إلى أن يَظهَرَ دليلٌ ناقلٌ عن حُكمِ الدَّليلِ المُستَصحَبِ، فيَجِبُ المصيرُ إليه، كالبَيِّنَةِ الدَّالَّةِ على شَغلِ الذِّمَّةِ وتخصيصِ العمومِ، ونحوِ ذلك، ومنه استصحابُ العدمِ الأصليِّ وهو الَّذِي عُرِفَ بالعقلِ انتفاؤُه، وأنَّ العدمَ الأصليَّ باقٍ على حالِه، كأصلِ عدمِ وجوبِ صلاةٍ سادسةٍ، وصومِ شهرٍ غيرِ رمضانَ، فلَمَّا لم يَرِدِ السَّمعُ بذلك حَكَمَ العقلُ بانتفائِه لعدمِ المُثبِتِ له.
إذا تَقَرَّرَ ذلك فالاستصحابُ (دليلٌ) عندَ الأكثرِ، وقِيلَ: لا يَكُونُ دليلًا، وعليه يَجوزُ التَّرجيحُ به عندَ بعضِهم، وقِيلَ: يُشتَرَطُ ألَّا يُعارِضَه ظاهرٌ.