للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَيَجُوزُ تَعَبُّدُ نَبِيٍّ بِشَرِيعَةِ نَبِيٍّ قَبْلَهُ عَقْلًا) على الصَّحيحِ؛ لأنَّه لَيْسَ بمُحالٍ، ولا يَلْزَمُ منه مُحالٌ، وكانَ -صلى الله عليه وسلم-: «يَتَحَنَّثُ فِي غَارِ حِرَاءَ» رَوَاه مسلمٌ (١) عن عائشةَ، والتَّحنُّثُ: هو التَّعبُّدُ.

(وَلَمْ يَكُنْ نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ البَعْثَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَوْمُهُ) عندَ أئمَّةِ الإسلامِ كما تَواتَرَ عنه، ومَن زَعَمَه فهو قولُ سوءٍ، ولم يَكُنْ على دينِ قومِه قَطُّ، (بَلْ) وُلِدَ مؤمنًا نبيًّا (٢) صالحًا على ما كَتبَه اللهُ تَعَالَى وعَلِمَه مِن حالِه وخاتمتِه لا بدايتِه.

و (كَانَ) قَبْلَ البعثةِ (مُتَعَبِّدًا -صلى الله عليه وسلم- في الفروعِ (بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ) مِن الأنبياءِ على الصَّحيحِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم قَبْلَه دَعَا إلى شرعِه كلَّ المُكَلَّفِينَ، والنَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- واحدٌ منهم، فيَتَنَاوَلُه عمومُ الدَّعوةِ، ثمَّ اختلفوا على هذا القولِ: هل كانَ مُتَعَبِّدًا بشرعٍ معيَّنٍ أو لا.

ثمَّ اختلفَ القائلُ في المُعيَّنِ، فقِيلَ: آدمُ أو نوحٌ، أو إبراهيمُ، أو موسى، أو عيسى صَلَوَاتُ اللهِ عليهم أجمعينَ، والصَّحيحُ أنَّه كانَ مُتَعَبِّدًا بشرعِ مَن قَبْلَه (مُطْلَقًا) أي: مِن غيرِ تعيينِ واحدٍ منهم بعينِه، واسْتُدلَّ له بحديثِ مسلمٍ السَّابقِ، ورَوَاه البخاريُّ أيضًا: «كَانَ يَتَحَنَّثُ بِغَارِ حِرَاءَ».

تنبيهانِ:

أحدُهما: قولُه: «مُتَعَبِّدًا»، بكسرِ الباءِ، ولا يَجُوزُ فتحُها، قاله القَرَافِيُّ (٣)، وكلامُ الآمِدِيِّ مُوهِمٌ بخلافِ ما بعدَ البعثةِ، فإِنَّه كانَ مُتَعَبَّدًا بفتحِ الباءِ.


(١) رواه البخاري (٣)، ومسلم (١٦٠).
(٢) في «ع»: نبينا مؤمنًا.
(٣) «شرح تنقيح الفصول» (١/ ٢٩٦)، و «نفائس الأصول» (٦/ ٢٣٦٠).

<<  <   >  >>