للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصَّلَاةِ، قالَ: «لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» مُتَّفقٌ عليه (١).

ولا تَختَصُّ هذه القاعدةُ بالفقهِ، بل الأصلُ في كلِّ حادثٍ عَدَمُه حَتَّى يُتَحَقَّقَ كما تَقولُ: الأصلُ في الألفاظِ أنَّها للحقيقةِ، وفي الأوامرِ للوجوبِ، والنَّواهي للتَّحريمِ، والأصلُ بقاءُ (٢) العمومِ حَتَّى يُتَحَقَّقَ وُرودُ المُخصِّصِ، وبقاءُ حُكمُ النَّصِّ حَتَّى يَرِدَ النَّاسخُ، وغيرُ ذلك ممَّا لا حصرَ له.

وممَّا يُبنى على هذه القاعدةِ أنَّ المانِعَ لا يُطالَبُ بالدَّليلِ؛ لأنَّه مُستنِدٌ إلى الاستصحابِ، كما أنَّ المُدَّعى عليه لا يُطالَبُ بحُجَّةٍ (٣) بل القولُ في الإنكارِ قولُه بيمينِه كما قالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمِينُ عَلَى [مَنْ أَنْكَرَ] (٤)»، وفي روايةٍ: «عَلَى [المُدَّعَى عَلَيْهِ] (٥)» (٦).

(وَ) من أدلَّةِ الفقهِ (زَوَالُ الضَّرَرِ بِلَا ضَرَرٍ) أي: الضَّررُ يُزالُ ولا يُزالُ به؛ لأنَّ فيه ارتكابَ ضررٍ وإنْ زالَ ضررٌ آخَرُ، فتَجِبُ إزالةُ الضَّررِ بلا ضررٍ؛ لقولِه -عليه الصلاة والسلام-: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (٧)، وهذه القاعدةُ فيها مِن الفقهِ ما لا حَصرَ له، فإنَّ الأحكامَ إمَّا لجلبِ المنافعِ، أو لدفعِ المضارِّ، فيَدخُلُ


(١) رواه البخاري (١٣٧)، ومسلم (٣٦١) من حديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-.
(٢) ليس في «د».
(٣) ليس في «د».
(٤) في «د»: المدعى عليه.
(٥) في «د»: من أنكر.
(٦) رواه الترمذي (١٣٤١) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-، وضعّفه.
وروى البخاري (٤٥٥٢)، ومسلم (١٧١١) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ.
(٧) رواه ابن ماجه (٢٣٤٠، ٢٣٤١) من حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وابن عباس -رضي الله عنهم-.
وحسَّنه النووي في «الأذكار» (ص ٣٥١)، وقال ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (٢٨٩٧): وقال ابن الصلاح: حسن. قال أبو داود: وهو أحد الأحاديث الَّتي يدور عليها الفقه، وصححه إمامنا في حرملة.

<<  <   >  >>