للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جهةِ العقلِ، وإذا جازَ أن يَتَعَبَّدَ غيرُه بالنَّصِّ تارةً وبالاجتهادِ أُخرى، جازَ أن يَتَعَبَّدَ هو بذلك، وليسَ في العقلِ ما يُحِيلُه في حقِّه ويُصَحِّحُه في حَقِّنا، ولهذا أَوْجَبَ عليه وعلينا العملَ على (١) اجتهادِه في مضارِّ الدُّنيا ومنافعِها.

(وَ) يَجُوزُ اجتهادُ غيرِه -صلى الله عليه وسلم- في زمنِه (شَرْعًا) عندَ الأكثرِ (وَوَقَعَ) ذلك في زمنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- على الأصحِّ، واستدلَّ لذلك بأنَّ سعدَ بنَ معاذٍ حَكَمَ في قُرَيْظَةَ لَمَّا حَصَرَهم النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ونزلوا على حُكمِ سعدٍ أن تُقتَلُ مُقاتلتُهم وتُسْبَى ذَرَارِيُّهم فصَوَّبَ -عليه السلام- حُكْمَه، وقال: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ المَلِكِ» (٢)، وفي روايةٍ: «بِحُكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ (٣) أَرْقِعَةٍ أَوْ سَمَوَاتٍ» (٤).

(وَمَنْ جَهِلَ وُجُودَهُ) أي: وجودَ الرَّبِّ تَبارَكَ و (تَعَالَى) بأنْ يَقُولَ: ما أَعلَمُ هل الرَّبُّ موجودٌ أو معدومٌ، أو ما أعلَمُ رَبًّا بالكُلِّيَّةِ فهو كافرٌ، (أَوْ عَلِمَهُ) بأنْ يَقُولَ: أعلمُ وجودَ الرَّبِّ، (وَفَعَلَ) فعلًا لا يَصدُرُ مثلُه إلَّا مِن كافرٍ، بأنْ يَعبُدَ الأوثانَ ونحوَه، (أَوْ قالَ مَا) أي: قولًا (لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ إِجْمَاعًا) كقولِه: عيسى ابنُ اللهِ، أو ثالثُ ثلاثةٍ، ونحوِ ذلك، أو اعتقدَ شيئًا مِن ذلك؛ (فَـ) هو (كَافِرٌ) قطعًا بلا تردُّدٍ، وإنْ كانَ صاحبُه مُصَرِّحًا بالإسلامِ.

(وَلَا يَكفُرُ مُبْتَدِعٌ غَيْرُهُ) مُطلقًا في إحدى الرِّوايتينِ عندَ أحمدَ (إِلَّا الدَّاعِيَةَ فِي رِوَايَةٍ) عنه أيضًا وهي المشهورةُ عنه في المذهبِ، وعنه روايةٌ ثالثةٌ:


(١) في «د»: في.
(٢) رواه البخاري (٣٠٤٣)، ومسلم (١٧٦٨) من حديث أبي سعيد الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-.
(٣) في «ع»: سبع.
(٤) عند النسائي في «الكبرى» (٥٩٠٦).

<<  <   >  >>