الولد به ويعتمده. فيفهمه القاضي أن هذه المحكمة ليست كغيرها من نوعها تهويلاً وتعذيباً فجل مرادها مساعدته لإصلاح نفسه بنفسه، ومتى وثق الولد بالقاضي ائتمنه وأطلعه على كل ما يريد الاطلاع عليه فيشرع بتشجيعه وإنهاض غيرته فيستفز حميته بالكلام المؤثر اللطيف. يلقي عليه النصائح المتعددة ويخبره جلياً بالأضرار الناتجة عن قبح أعماله وسوء تصرفه وكم يعاني غيره من جراء أعمال يحسبها هو طفيفة لا تأثير لها ولا ضرر. فيشرح له واجباته نحو نفسه أولاً ثم واجباته نحو حكومته وبدلته ومحيطه وكيف أنه بسلوكه وتصرفه يقدر هو نفسه أن يؤثر في محيطه فبلدته فحكومته بكونه عضواً حياً عاملاً على نجاحها ورقيها. ثم يريد تدريجاً وجوب إطاعة الأوامر والنظامات ويبين له كيفية التصرف والسلوك الحسن وبالإجمال فإن القاضي بكلامه وأفعاله وأمثاله ينفث فيه روحاً جديدة كانت كامنة فيه فتهيج معها عواطفه فيرى قبح أعماله السابقة وأفعاله الماضية فيندم على ذلك أشد الندم ويشعر من جهة أخرى بواجباته ومسؤوليته ويعلم أن مقابل هذه المسؤولية والواجبات حقوقاً كان قد خسرها بإهماله تلك. فيعد القاضي وعداً صادقاً مخلصاً بتغيير سلوكه ومنهاج حياته. فيطلق القاضي سراحه بعد أن يثق بكلامه تمام الوثوق. فيخرج الولد شاعراً بروح شريفة تجددت فيه ونفس نشيطة
تحثه على إتمام واجبات طالما أهملها سابقاً.
هذا هو سر المحكمة وقوامها الوحيد فإنه لا شيء يؤثر في نفس الولد ككلام اللطف المنبعث من صدر شفوق ونفس حساسة تود خيره