في كلامهم , لأنهُ أوقع في النفوس , فيستصغون إلى أقوالهم الإسماع , ويستميلون بها القلوب. . . أقول: وربما كان الغرض الأول من التزام السجع ترك الكلام مبهماً غامضاً , لأنَّ المتكلم إذا التزم في كلامه قافيةً , سواء كان الكلام نظماً أو نثراً , يباح له من الإبهام في أقواله مالا يباح لغيره. وكل متكهن محتاج إلى ذلك الإبهام
وقد اشتهر في الجاهلية عدد من الكهان , أكثرهم في بلاد اليمن. فكان العرب يقصدونهم من أطراف البلاد لاستطلاع الغيب منهم في الأمور العظام , غير معتمدين في ذلك على الكهان الذين بين ظهرانيهم. ثمَّ إذا صدَّقت الحوادث شيئاً من ظنونهم , وصحَّ شيءٌ من أقوالهم , تناقلتِ الألسنةُ الخبر , وزادت عليهِ الرواة من الحكايات المختلفة أضعاف أضعاف الحقيقة , فتزداد بذلك شهرتهم. وربما نسبوا إليهم أموراً في أزمنة لم يكونوا موجودين فيها , كما نسبوا إلى سطيح الكاهن أنهُ أنذر باستيلاء الحبشة على اليمن قبل الاستيلاء بسبعين سنة. ثم أوَّل رؤيا الموبذان بعد مولد النبي. ولذلك اقتضى الأمر أن يجعلوا عمره نحواً من ثلاثمائة سنة. وقد عنَّ لقوم أن يجعلوا مولدهُ قبل ظريفة الخبر كاهنة عمرو مزيقياء , لكي تنفل هذه الكاهنة في فيهِ , فينتقل إليهِ علمها ولذلك اضطروا أن يمدوا عمره إلى ستة قرون أو أكثر وسطيح هذا أشهر كهان الجاهلية. ثم يليه شقّ وكانا متعاصرين. وممن اشتهر قبلهما ظريفة الخبر كاهنة عمرو مزيقياء ملك اليمن الذي تفرقت الازد في عهده بسبب سيل العرم؛ وعمران الكاهن أخو