للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخليقة كما أن الظلمة تلاشت في النور. المقدّر يقبض بيده على حظوظ البشر , ويحكم فيهم كيفما شاءَ. وفي الخرافات القديمة أن أوامره منقوشة على صفحات من نحاس , ولا قوة أرضيّة تستطيع أن تمحوَها أو تغيّر منها شيئاً. كانوا يصوّرونه شيخاً طاعناً في السن كفيف البصر , وتحت قدميه الكرة الأرضية وعلى رأسه إكليل من نجوم , دلالة على خضوع السماء له. يسراه تمسك القارورة المحتوية على حظوظ البشر , ويمناه تقبض على عصا من حديد إشارةً إلى سطوته وقدرته المطلقة , وقساوته وصلابته في أحكامه وقد جاء في الياذة هوميروس أن جوبيتير كان قد أراد إنقاذ هكتور من شر أخيل , على أنهُ لما وزن حظّيهما ورأى أن هكتور سيموت لا محالة تركه وشأنه. وكذا فعل ايولّون الذي كان يرافقه في غدواته وروحاته ويمده بالمساعدة , فإنهُ ابتعد عنه لعلمه أن القدَر لا يُعاند توالت القرون وسبحت الأفكار في فضاء واسع من الحرية العلمية فتناول الفلاسفة هذا الموضوع ودرسوه درساً مدققاً فنفوا وجود إلهة عمياء تلقي على البشر صواعق غضبها ونقمتها بحسب أهوائها , ونسبوا القدَر إلى نواميس ثابتة. وعلاَّت رياضية تأتي بالنتائج التي ندعوها قضاءً وقدراً. وقال أرسطو أن الأقدار ناجمة عن قوتين: قوة خارجية , وقوة داخلية أي آتية من نفس الإنسان. وكان جميع المفكرين الذين سبقوا ديكارت يقولون بوجود سلسلة علات آلية هي أساس النظام الكلّي. ثم جاء ذلك الفيلسوف الفرنساوي وثبَّت هذه القاعدة ,

<<  <  ج: ص:  >  >>