مراسهِ اليوم أكثر من قبل لاصطلاحه نوعاً بفضل ما انتشر عليهِ من ظل العلم الحديث. غير أن القلاقل إذا كانت قد خفت وطأتها فهي لم تقلّ اليوم بل زادت واستوطنت كذلك كقلاقل العمّال. وإذا كانت الجنايات قد قلت عما كانت في القديم فهي لم تقلّ قلة مطلقة بل ربما كذلك بالنسبة إلى ما كانت عليهِ في الماضي القريب لزيادة انتشار العلم وزيادة الشعور بالحاجة معهُ مع بقاء أسبابها. لأن الطب الاجتماعي لم ينظر كثيراً في هذه الأسباب وإذا نظر فلم يهتدِ كثيراً إلى الوسائل الواقية منها أو أنهُ لم يحسن تطبيقها عليها. وأسبابها إنما هي في نظامات الاجتماع نفسها التي لا تزال حتى الآن بعيدة جدًّا عن توفير التضامن له بتوفير العمل وتوفير المنفعة المتبادلة. فالشارع لم ينظر في الجنايات إلاَّ إلى العقاب فكأن الصعوبات التي تعترضهُ في نظامات الاجتماع صرفتهُ عن ترّف طبائع العمران للبحث في الوسائل الواقية إلى تعرّف طبائع الجناة أنفسهم لتحديد العقوبة. وقد هداهُ العلم اليوم في ذلك كثيراً وخدعه أكثر لأن الاعتماد في العلم على جهة واحدة مضرٌّ جدًّا. فنظر في الأمر نظرة علمية هي في مصلحة الجاني أكثر منها مصلحة المجنيّ عليهِ. إذ نظر إلى الجاني كنظرهِ إلى المريض المستحقّ غالباً للشفقة والحنان بقطع النظر عن تأثير جنايتهِ في الاجتماع. وهو نظرٌ يوافق عليهِ العلم إذا كان الغرض منهُ توفير عضوٍ من أعضاء المجتمع لنفع منهُ لهذا المجتمع. وإلاّ فالشفقة في الطب كما في الشرائع يجب