يصوِّر وهو كذلك , يكون الخيال شرط الشاعرية الأول. وقد قيل: الشعر هو ابنُ البكر. وبفضل هذه القوَّة يفوق الشاعرُ المصوِّرَ , لأنه بكلمة واحدة كثيراً ما يمثِّل لنا مشهداً يقتضي تصويره ألواناً مختلفة وتفاصيل متعددة. وكثيراً ما رأينا خليلاً أدقَّ تصويراً وأبلغ رسماً من أمهر المصوّرين , فإذا وصف مثلاً الجنديّ الجريح وقائده يقلّدُهُ وساماً , قال:
. . . . فقلَّده وساماً ... وكلُّ جراحةٍ فيهِ وسامُ
وإذا كانت نفسهُ مثقلةً بالهمّ , يرى ذلك الهم
. . . . كبحرٍ ... ضمَّ في جوفهِ البعيد غريقاً
وإذا شكت عينهُ المسَّهدة طول الليل , فهي:
تحسب السرجَ في حشاهُ قروحاً ... وترى الشهبَ في سماهُ حروقا
وهذا بيتٌ تكاد تكون كلُّ كلمةٍ فيهِ صورةً حسية
وإذا تبسم أمامه عبدٌ يرى ابتسامهُ ... . . . . . مثل وميضٍ في حالكٍ مسودّ
ويرى الليلة الجميلة:
أشبهَ بالجاريةِ الغراءِ ... في حلةٍ شفافةٍ سوداءِ
وإذا تمثَّل الشمسَ منيرةً في كبد السماء , تصوِّر له مخيلتهُ المتقدة هذا المنظر تصويراً يعجز عنه قلم المصوّر , فيقول:
تبعثُ الشمسُ باهرات شعاعٍ ... تغتدي بانحدارِها شبهَ رُبدِ
فهي في الأفق تارةً مسحاتٌ ... من بهارٍ وتارةُ نثرُ وردِ