قال خليل مطران في مقدمة ديوانه: وليس أكثر شعري هذا بين الطرس والمداد إلاَّ مدامع ذرفتها , وزفرات صعَّدتهاو وقطع من الحياة بدَّدتها؛ ثم نظمتها فتوهمت أني استعدتها. وهكذا يتحقق لنا قوله الأول أن شعره ليس فقط شعر خيال. بل هو أيضاً شعر حياة ومن القول ما يؤثر في النفس وأنّ خلا من كل صورة , لأنهُ صورة الحياة الحقيقية. وفي شعر خليل الشيء الكثير من هذا القبيل. كقوله مثلاً في مشاكاة وهي من أوليات قصائده:
أرى مثل سهديَ في الكوكبِ ... أحلَّ بهِ مثلُ ما حلَّ بي
يهيمُ هياميَ من وجدهِ ... ويهربُ من مهدهِ مهربي
ونجتازُ من هذا الفضاَء الرحيبَ ... إلاَّ بنا فهو لم يرحبِ
فيا نجمُ ما النارُ تُفني حشاكَ ... وما سيلُ مدمعك الصيّبِ
أسِرَّ هواكَ إلى صاحبٍ ... يؤاخيك في همك المنصبِ
أما كلُّ ذي كلفٍ متعب ... شريكٌ لذي الكلفِ المتعبِ
فهذه أبيات كلها رقةٌ وشعور على خلوّها من الصوَر وأساليب البديع. وأن في المواضيع الشعرية المبتكرة التي طرفها خليل لبرهاناً واضحاً على شعورٍ كبير مقرون بخيال حادّ.
فالحادثة البسيطة تُهيج عواطفَهُ وتثير أشجانهُ. فينظمها ويجيء نظمُها محرّكاً عواطف قارئهِ مهيجاً أحزانه. اسمعهُ يتكلم عن مهد الطفل تظنهُ الأم الحنون: