فكأنَّ آخرَ دمعةٍ للكون قد ... مُزِجَتْ بآخر دمعي لرثائي
فمن منا لم يشعر يمثل هذه الكآبة. ولكن قليلٌ من له مثلُ هذه المقدرة على إبراز هذه العواطف في ذلك القالب الفتان. يتمنى شاعرنا أن يكون له قلبٌ كالصخرة الصماء ونحن نتمنى أن يبقى قلبه رقيقاً , ليأتي بمثل هذه الآيات البيَّنات. فكما أن الشجرة لا يسيل ماؤها إلاّ من جراحها فكذلك قلبُ الشاعر لاّ يسيلُ شعره إلا من جراحه. او كما أن العنقود لا يجود بعصيره الطيب , ما لم تضغطهُ يد الأحزان والشقاء. . . . قال اسكندر دوماس بعد مطالعته ديوان فكتور هوغو , وفيهِ ما فيهِ من توجُّع فؤاده: فليتبارك الربُّ الذي يُرسل لنا مثل هذه المصائب , ليخرج من صدرنا مثل هذا الهتاف البديع. . .!
٣ - العقل
أيها السادةز رأينا في شعر خليل عمل القوَّتين الأساسيتين في الشعر - أي الخيال والشعور؛ وهما قوَّتان قد تشردان إذا لم يكن هناك قوة ثالثة - وهي العقل - تخفف من غلوائهما. وقد أصاب قدماءُ اليونان إذ صوَروا الشاعر في مركبة يقودها جوادان جامحان - هما الخيال والشعور - وجعلوا زمامهما في يد العقل لئلا يطوّحا بالشعر على الهاوية. وهذا ما قصده أيضاً من حدَّد الشعر بأنهُ الفلسفة