كذلك هو يشجب الأعمال الجائرة أينما رآها. اسمعوه يخاطب ملوك مصر بناة الأهرام:
لم يُغنِكم منهُ البناءُ عاليا ... والأرضُ نهباً والملوك أعبُدا
وكان يُغنيكم جميلُ الذكرِ لو ... خفضتمُ اللحدَ وشدتم بالهدى
وهو القائل أيضاً:
معرَّةُ الظلمِ على مَن ظلْم ... وحُكم مَن جَارَ على مَن حكَمْ
كل هذا لأن الخليل فهم مهمة الكاتب , ولاسيما الشاعر , وهي مناصرة الخير ومناهضة الشرّ؛ فإذا رأى القويّ يعبث بحقوق الضعيف يهتف:
فيمَ احتباسك للقلْم ... والأرضُ قد خُضبت بدمْ
سدِّدْ قويمِ سنانهِ ... في صدرِ مَنْ لم يستقمْ
اليوم يوم القسطِ قد ... قامَ الأُلى ظَلَموا فقمْ
ثم ينبه قومه للنهوض من ثبات الجهل فيقول:
تمنا على جهلٍ وقد ... عاشَ الكرامُ ونحن لمْ
فإذا انقضت آجالنا ... فمن الرُّقادِ إلى العَدَمْ
وإذا بُعثنَا بعدها ... فكأنها رُؤيا حلمْ
يرى الخليل أجيال الناس تجيء وتنقضي يرى الممالك تشيد بالصوارم وتفنى بالمعايب. فبعد ذلك يقول:
ولم أرَ شيئاً كالفضيلة ثابتاً ... نَبَتْ عنهُ آفاتُ البلى والمعاطبُ
ثم نراه , وقد كادت المصائب تصرعه , يصيح من قلب مكلوم: