القارئ أن يعرف مبلغ بغضهم للتركي - وكلّ موظفٍ عثماني هو تركي عندهم - فحسبُهُ أن يقرأ شيئاً مما يلقونهُ على أولادهم أو يسمع ما يقوله الشيوخ والعجائز منهم. ذكر لي صديقي حقي بك العظم أنهُ زار صوفيا , عاصمة البلغار , منذ بضعة أعوام , وذهب يوماً مع نسيبٍ له كان معتمداً عثمانياً سامياً في مركبة الوكالة العثمانية إلى بعض أحياء لمدينة؛ وبينما كانا مارّين أمام بيت إحدى العجائز , خرجت هذه وبيدها قدرٌ من الأقذار المختلفة وقذفت بهِ على طربوشيهما وملابسهما العثمانية. وليس يدلنا على اعتنائهم الشديد بتربية الحقد على الأتراك وزيادة النفور منهم مثل أمر مأثور. وهو أنهم تركوا مجلةً صغيرة في عاصمتهم على أسوأ حال لتكون عبرةً لكل بلغاري فيتذكر على الدوام ما كانت عليهِ بلادهم في عهد الحكم التركي. والواقع أن تاريخ البلغار منذ سقوط دولتهم سنة ١٣٩٣ إلى سنة ١٨٧٧ كان تاريخ ذُلٍّ وهوانٍ فإنهم كانوا أرّقاء تلعب الأكفُّ التركية في رقابهم , وإذا شكوا حكمتِ السيوف في هاماتهم. ولبثوا سنواتٍ عديدة على أثر سقوط ملكهم يحسبون الأتراك من محقدٍ أشرف من محتدهم حتى صَّحت فيهم حكمة القائل أن الاستعباد يُفقدَ الشعوبَ فضيلة الرجولية على أنهم كانوا مثل كل شعب مغلوبٍ على أمره وله تاريخ قديم , يذكرون استقلالهم الذي تغلغل في طياتِ الزمان ويحنّون إليهِ وهم في روايا بيوتهم , ويشكون بصوتٍ خافت من حكامهم. ولبثوا على تلك الحال من الجبن والمسكنةِ حتى سنحت الفرصة لانفجار حقدهم الكامل قُبيلَ معاهدة برلين. وكانت عوامل إيقاظهم ثلاثة: أولها أنَّ ولاة أمورهم غلوا أشدَّ غلوٍّ في الضغط عليهم فكانت نتيجة هذا الضغط انفجار ذاك الحقد؛ والثاني أن روسيا العدوَّة القديمة لتركيا كانت تحضهم وتعدهم بالعون والمدد؛ والثالث أن تحريرهم من قيد الكنيسة اليونانية أنشأ فيهم روح الاستقلال.