بقيت تلك العوامل الثلاثة تعدّ نفوسهم للثورة ونزيد حقدهم المتأجج حتى هبوا ينفضون عنهم غبار الذُلّ العتيق. ولما ثارت البوسنة والهرسك سنة ١٨٧٥ رأى ذوو الإِقدام منهم أنَّ الفرصة كانت موافقة للثورة وشفاء النفوس من الضغينة. على أنهم لم يكنفوا بالخروج على الحكومة بل ارتكبوا جناية ذبح المسلمين في بعض القرى. ولم تكن ثورتهم وقتئذ عامة لأن قسماً كبيراً منهم كان لا يزال خائفاً من سادته الأتراك. وما ترامى خبر فتنتهم على الباب العالي حتى عقد العزيمة على تأديبهم وكان التأديب واجباً. إلاَّ أنهُ أخطأ الطريقة المثلى فأطلق عليهم ألوفاً من الجنود غير المنظمة بدلاً من أن يسير إليهم جنوداً نظامية تحت امرأة قائد عاقل يضع اللينَ في محلهِ والشدة في موضعها. وروى قنصلاً فرنسا وانكلترا في تقاريرها الرسمية إن عدد ذبحتهم تلك الجنود من رجال ونساء وأطفال يبلغ ما بين ١٥ و٢٠ ألف نفس فكان لذاك الحادث صدى عظيم في أوربا , وهبّ غلادستون فألقى خطبهُ الشهيرة عن تركيا والأتراك وأنسى الأوروبيين أن البلغاريين فتكوا هم أيضاً بالمسلمين الآمنين. ولا غرو فإن الحادث الأكبر ينسي الحادث الأصغر؛ وهناك سبب آخر وهو أن شعور كل فئة بنكبات أهل دينها أشد من شعورها بأرزاء الآخرين , وهذا طبيعي تجده عند جميع الأمم والملل ولا يتغير ما دام الإنسان إنساناً. وقليل هم لسوء طالع الإنسانية أولئك الذين يضعون الحق فوق كل شيء. على أن هذا كلهُ بعضُ ما جرى بين العدوّين وهو يكفي للدلالة على أن الجيش البلغاري لم يزحف وحدهُ من صوفيا بل زحف هو وحِقدُ خمسماية سنة!. . .
وليس حقدُ الصربيين وأهل الجبل الأسود على الأتراك بأخفّ من حقد اليونانيين والبلغاريين. فإنهم مثل حلفائهم يربّون في أبنائهم محبة الثأر من تركيا ,