لكنَّ مصراً
ناظم هذه القصيدة شاعر مطبوع , عرفته مصر يوم كان ينشر في صحفها باكورة ثمار قريحته. ثم نشر هنا ديوانه , فتوسمنا فيه سليقة شعرية ما زالت تنجلي في كل ما نظمه بعدئذ. وقد أرسل إلينا من الولايات المتحدة - حيث هو يقيم الآن - القصيدة الآتية يحيي بها مصر ويحن إلى وادي النيل:
أشقى البرية نفساً صاحب الهمم ... وأتعسُ الخلق حظاً صاحبُ القلمِ
عافَ الزمانُ بني الدنيا وقيّدَهُ ... والطيرُ يُحبَسُ منها جيّدُ النغَمِ
وحكّمت يدُه الأٌلامَ في دمِه ... فلم تصنهُ ولم يعدل إلى حكمِ
لكلّ ذي همةٍ في دهرهِ أملٌ ... وكلُّ ذي أمل في الدهرِ ذو ألمِِ
ويلُ الليالي لقد قلّدنني ذرياً ... أدنى إلى مهجتي من مهجةِ الخصمِ
ما حدثتني نفسي أن أحطّمَهُ ... إلاَّ خشيتُ على نفسي من الندمِ
فكلما قلتُ زهدي طارد كلَفني ... رجعتُ والوجدُ فيهِ طاردٌ سأميِ
يأبى الشقاءُ الذي يدعونهُ أدباً ... أن يضحكَ الطرسُ إلا إن سفكتُ دمي
لقد صحبتُ شبابي واليراع معاً ... أودي شبابي. . . فهل أبقي على قلمي؟
كأنما الشعراتُ البيضُ طالعةً ... في مفرقي أنجمٌ أشرقنَ في الظُلمِ
تضاحك الشيبُ في رأسي فعرّض بي ... ذو الشيب عند الغواني موِضعُ التُهمِ
فكلُّ بيضاء عند الغيدِ فاحمةٌ ... وكل بيضاء عندي ثغرُ مبتسمِ
قل للتي ضحكت من لَّمتي عجباً ... هل كان ثمَّ شبابٌ غير منصرمِ
قد صرتُ أنحلَ من طيفٍ وأحير من ... ضيفٍ واسهرَ من راعٍ على غنمِ
وليلةٍ بتُّ أجني من كواكبها ... عقداً كأني أنالُ الشْهبَ من أمّمِ
لا ذقَ طرفي الكرى حتى تظلَ يدي ... ما لا يفوزُ به غيري من الحلُم