الجسم بقية من الحياةز فالتفت إلينا وقال: هي حية لم تمت بعد! وكأن لفظة الحياة نبهّت خطيب الفتاة فأجفل وتفدّم خطوة إلى السرير محملقاً في الطبيب كمن فوجئ بما لم يكن يوّقع. أمَّا الأب فترامى على أقدام الطبيب وهو يقول لهٌ: أحيها. . . بربّك أحيها. ثمَّ جثا يصلّي. ورأيت في تلك الساعة ما لم أرَهُ من قبل: أباً جاثياً يدعو الله وملء نفسه خشوع ورجاء وملء ناظرَيه ذلّة وحزن؛ وعاشقاً تتنقّل نظراته من السرير إلى الطبيب إلى السكين؛ ورجالَ حكومة واجمين ينظرون بلهفة وأمل؛ وطبيباً أحدقت به القلوب كأنَّ كهربائية انتقلت منها إلى يديه فحركتهما على ذلك الجسم المسجّى بدون حراك. ورأيتني وحدي في ذلك الموقف ثابت الجأش أرى وألاحظ , وأعي غير ذاهل , حتى لقد ظنتني اسمع خفقة كلّ قلبٍ في كلّ صدر , وأحسّ دبيب كلّ خاطرٍ في كلّ ضمير. حينئذ أشار الطبيب فخرج الجميع من الغرفة , وأقام هو وحده يعالج الفتاة. وبثَّ المأمور رجاله في المنزل وحواليه , ثمَّ أخذ في التحقيق الأوّليّ فعرف أنّ ربَّ البيت يسمَّى فرج الله خوري وأنّه يتَّجر في الخان الخليلي بالمصوغات والحجارة الكريمة , وأن ابنته وحيدة لهُ واسمها أدماء وقد توفيت والدتها وهي في نحو الخامسة من عمرها فربّها أبوها وأدّبها في المدارس ولم يشأ أن يتزوج ثانية حبّاً بها وغيرة عليها. أمّا الشاب خطيب أدماء فاسمه سليم خوري
وهو ابن أخٍ للخواجا فرج الله؛ هاجر بعد وفاة أبيه إلى الترانسفال وأقام فيها نحواً من عشر سنواتو ثمَّ جاء القاهرة للتزوّج بأدماء والإقامة في هذا القطر. وفي نحو التاسعة جاء وكيل النيابة العمومية وشرع في التحقيق الدقيق فلم يلبث أن توصّل على معرفة الجاني؛ فإن الخادمة أطلعتهُ على علاقات أدماء بفتىً يدعى فؤاد اليافي يسكن منزلاً مجاوراً. وكان كثيراً ما يحادث أدماء من النافذة