رأيت أيضاً مصطَنعَ الحجارة الضخمة المربَّعةِ التي تُعدُّ لإِتمامِ جدارِ الرصيف الشرقي بالإسكندرية , وقد تمَّ منها ألوفٌ يجدُها الناظرُ معروضةً على خَطٍّ مُستطيل , وهي تُحمَلُ على ظهورِ البواخرِ بواسطةِ مرفعةٍِ بخاريةٍ منصوبة على رأس صخرة متقدّمة في البحر. رأيتُ حيث ينتهي النظر من المكس شبه قريةٍ ذات خضرةٍ تدعى العجمي عاقني عن تفقُّدها ضعفّ الجسم؛ فسألتُ أحد ساكنيها , فقال إِنَّها لا مزَّيةَ لها عن سائر القرى المجاورة إلاَّ بشيءٍ: وهو أن البحرَ يمدُّ هناك ذراعاً , ثمَّ يعطفهُ منها جزيرة. وفي الجزيرة مقامٌ لوليّ يُعرف بالعجمي , وهذا المقامُ غاصٌّ بالمراكب الصغيرة المُهداةِ إليهِ نذوراً , والنواتي يعتقدون أنهُ شفيعُهم , وأنهُ ببركة هذه النذور يرقُّ لهم ويُنقذهم من أخار البحر.
ما أحوجَ الإنسانَ إلى الإِيمان!
هذا كلُّ ما رأيتهُ م جانبٍِ؛ أمَّا من الجانب الآخر , وهو الذي ينتهي إليهِ الترام قادماً من الإسكندرية , فالذي استلفني أمران: أحدهما وجودُ حمَّام هناك واسع متقن , ومنديَين للشرب , هذا من خشبٍ قائم فوق الحمَّام , وذاك مبنيٌّ من الحجر على شكل سرادق رحيب , بينهُ وبين الحمَّام خطواتٌ. وفي كل مساءٍ يستقدم أصحاب هذين المنتدَيَين جوقَتَي موسيقي لإِطراب الحضور , الواحدة منهما أرمنية تضرب ألحاناً شرقية وألحاناً غربية , والأُخرى إفرنجية تضرِبُ ألحاناً إفرنجية