مختارة بإتقان لا تبلغهُ الأولى. ولكنَّ ألحانه الأولى التي فوق الحمَّامِ يزدحم الناس فيها ألوفاً كلَّ يوم , بخلاف الأخرى التي بجانبها , فلا يجتمع فيها إلاَّ أفرادٌ. ولو شئتُ أن أُفصل أسباباً لنجاح هذه وفشل تلك , لفعلت؛ ولكنَّ مذهبي أن السبب الذي ترجع إليه تلك الأسبابُ بجملتها هو نفس السبب الذي تشقى به أحياناً أمةٌ صالحةٌ وأرضٌ خصبة وعملٌ متقَن , وتسعد بهِ أمةٌ فاسقةٌ وأرض قحلةٌ وعمل ناقصٌ. فسمّهِ ما شئت ويذكرني نجاحُ قهوةً الحمَّام قهوة أخرى أنشئت في المنازل منذ تسع سنين , أي حينما مُدّ الخطُّ الحديديُّ إلى المكس , فكنَّا إِذا شئنا التنزُّه ركبنا القطارَ إلى المنازل , ووجدنا الناسَ مزدحمين وقوفاً وجلوساً , والمكاسبُ تتدفقُ على صاحب المكان
من كلّ صوب. فلما افتقداها هذه المرَّة تراباً أو صانعٌ يضربُ قطعة خشب , كما تتحرَّك الجرذانُ الجسيمة في بعض الخرائب العتيقة. ذلك أنَّ وجود الترام قتَلها , لأنهُ عطَّل الخط الحديدي , فأبطلهُ , والترام لا يمتدُّ إليها , بل هو بعيدٌ عنها. فأيُّ سببٍ نردّ إليه أمثال هذه الانقلابات التي تكون في عالم الغيب ثم تفاجئ من حيث لا تظن. أما الأمر الثاني الذي استوقفني وشجاني , فهو ما رأيتهُ على كئيبٍ ممتدٍّ شبه القَتَبْ بين البحر وبيم طريق الترام من المدافع القديمة أدواب الدفاع عن مدخل الثغر. تدلُّ مركزُ هذه المدافع على أنها كانت منصوبةً وراء القَتَب , كما