أَرعى الكواكبَ في السماءِ كأَنَّ لي ... عندَ النُّجومِ رهينةً لم تُدفَعِ
زُهْرٌ تأَلَّقُ في السماءِ كأَنَّها ... حَبَبٌ تَردَّدَ في غديرٍ مُترَعِ
وكأَنَّها حولَ المجرِّ حمائِمٌ ... بيضٌ عكفنَ على جوانبِ مَشرَعِ
وترى الثُريَّا في السماءِ كأَنَّها ... حَلَقاتُ قرطٍ بالجمانِ مُرصَّعِ
بيضاَء ناصعةً كَبيضِ نِعامةٍ ... في جَوفِ أدحِيٍّ بأرضٍ بَلَقعِ
وكأَنَّها أكَرٌ توقَّدَ نورُها ... بالكَهرباَءةِ في سَماوةِ مصنعِ
واللَّيلُ مرهوبُ الحميّةِ قائِمٌ ... في مِسْحهِ كالرَّاهبِ الممُتلفِّعِ
متوشّحٌ بالنيّراتِ كباسلٍ ... من نسلِ باللُّجَينِ مدرَّعِ
حَسبَ النُّجومَ تخلفَّتْ عن أمرِهِ ... فوَحي لهُنَّ من الهلال بإصَبعِ
ما زلتُ أرقبُ فجرَة حتى انجلى ... عن مثلِ شادِخةِ الكُمَيتِ الأَتلعِ
وترنَّحت فوقَ الأراكِ حمامةٌ ... تصِفُ الهوى بلسان صَبٍّ مولَعِ
تدعو الهديل وما رأتهُ , وتلكَ مِنْ ... شِيَمِ الحمائمِ بِذعةٌ لم تُسمَعِ
رَيَّا المسالِكِ حيثُ أمَّت صادَفت ... ما تَشتهي من مجثمٍ أو مَرتعِ
فإذا علَت سكَنت مظلَّةَ ايكةٍ ... وإذا هَوت ورَدت قرارةَ منبَعِ
أَمْلَت عليَّ قَصيدةً فجعلتُها ... لشكيبَ تحفةَ صادِقٍ لم يَدَّعِ
هيَ مِن أهازيج الحمامِ وإِنَّما ... ضمّنتُها مَدْحَ الهُمامِ الأَرواعِ
هوَ ذلك الشَّهمُ الذي بَلَغتْ بهِ ... مشكاتُهُ حدَّ السماكِ الأرفعِ
نبراسُ داجيةٍ , وعقلةُ شاردٍ , ... وخطيبُ أندِيةٍ , وفارسُ مجمعِ
صَدْقُ البيانِ أَعضَّ جرول باسمهِ ... وثنىَ جريراً بالجرير الأطَوعِ
لم يَتَّخذْ بدرَ المقنّعِ آيةً ... بل جاَء خاطرُهُ بآيةِ يُوشعِ
أَحيا رميمَ الشعر بعدَ هِموِدِهِ ... وأعادَ للأيامِ عَصرَ الأَصمَعي
كَلِمٌ لها في السَّمعِ أطربُ نَغمةٍ ... وبحجرةِ الأَسرارِ أحسنُ موقعِ
كالزَّهرِ خامَرَهُ الندى فتأَرَّجت ... أنفاسُهُ بالعنبرِ المتضوّعِ
يعنو لها الخصمُ الأَلدُّ , ويغتدي ... بلُبانِها ذِهنُ الخطيبِ المصقعِ
هيَ نجعةُ الأدبِ التي مَنْ أمَّها ... ألقى مراسيَهُ بوادٍ مُمرعِ
مَلكتْ هوى نفسي , وأحَيتْ خاطري , ... وروَت صدى قلبي , ولَذَّت مِسمَعي
فاسَلمْ شكيبُ ولا بَرِحتَ بنعمةٍ ... تحنو إليكَ بأيكنِها المتفرّعِ
فلأنتَ أجدَرُ بالثناء لمنَّةٍ ... أوليتَها والبرُّ أفضلُ ما رُعي
أرهفتَ حدّي فهوَ غيرُ مفلّلٍ ... ورعيتَ عهدي فهوَ غيرُ مُضيّعِ
وبثقتَ لي من فَيضِ بحرِك جَدولاً ... غَمرَ البحارَ بسيلِهِ المتدفّعِ
عذِبَتْ مواردهُ فلو ألقت بهِ ... هِيَمُ السَّحابِ دلاَءها لم تَقلعِ
وزَهت فرائِدُهُ فصارت غرّة ... لجبينِ كلِّ متوّجٍ ومقنّعِ
هو ذلكَ النظمُ الذي شَهِدَت لهُ ... أهلُ البراعةِ بالمقالِ المُبدعِ
أبصرتُ منهُ أخا أيادٍ خاطباً ... وسمعتُ عنترةَ الفوارِس يدّعي
وحلمتُ أَنّي في خمائِلِ جَنَّةٍ ... ومِنَ العجائِبِ حالمٌ لم يهجَعِ
فضلٌ رفعتَ بهِ منارَ كرامةٍ ... صرفَ العيونَ عن المنارِ لتبَّعِ
فمتى أقومُ بشكرِ ما أوليتَني ... والنجمُ أقربُ غايةً من مَنزِعي
فاعذرْ إذا قصرَ الثناءُ , فإنني ... رزتُ المقالَ فلم أجِدْ من مقنِعِ