الحكم، وهكذا لا تمر أبصارنا هنيهة على أرضها ما لم نجد في أصغر أقاسمها خليط اليهود والعجم واليونان والروم والإفرنج والعرب. وفيهم الظالم والمظلوم، المستبد والملتجي، العناصر الباكية والعناصر الضاحكة، والأقوام التي تتعصب وتضرب والأقوام التي تتعصب وتحمل الويل. فيهم التركي والعربي البدوي، النصراني والدرزي، السني والمتوالي، السامري والكلبي واليزيدي وكل هذه العناصر تظهر للمفكر كمزيج هائل من الخير والشر، من التسامح والجور، من الإخلاص والكذب، من الشهامة والدناءة. من الإيمان بالله والكفر به.
. . . كيفما قلبت النظر في هذه البلاد العزيزة، تجد آثار الجور وبقايا الحروب القومية الدينية، سرح أبصارك على شاطئ بحر الروم من صيدا إلى يافا إلى أورشليم، وقف قليلاً على أطلال اليهودية القديمة، واتبع حدود البلاد حتى بلاد العرب وآسيا الصغرى حتى برية الشام وأرض حلب، فلا تتجاوز أبصارك هذه الأماكن قبل أن تملئ من مشاهد الخرائب والأطلال في كل مكان دلالة على الجهل وترفع الإنسان عن أن يكون أخا الإنسان: لقد شاهدت صور أول بحارة تجارية وفتحت موانيها يد الاجتهاد فهدمتها أيد المظالم. وبنى اليونان مرافئ لوقاية المراكب فأقتها الحكومة البادئة في اللجج. وكانت بادية الشام جنات البلاد وذخر الخلفاء فأصبحت أرجاء يأوي إليها المتشردون منذ القرن السادس عشر حتى اليوم. صور وصيدا تلك الأماكن التي انبثقت منها تجارة العالم لم يبق من أهلها غير ذكر مظلم يكاد يكون الحلقة