المفقودة لتمدن الإنسانية. إنطاكية وحمص والرملة وكل هذه المدن القديمة قد أصبحت طللاً يبني فوقه المظلومون أكواخهم ويتوه على رماده بنو الفقر والشقاء.
. . . من جعل هذه الأرجاء المملوءة بمبادئ الأمجاد عفراً تترفع عنه الأرجل ومتهدمات ينعق فيها البوم؟ من هوى بذلك المجد غير الحروب تلك الآفة الهائلة التي تتولد من الأطماع والتعصب والجهل، ولا تموت إلا على أطلال القصور أو فوق قبر ظالم أو عند
الرماد الذي يغطي الشعوب المنقرضة.
وأي زمان خلت فيه سوريا من طامع يستثمرها أو سفاح يقرد أبناءها بالسياط وبالسيف؟ من تحت حكم الجمهوريات الرومانية إلى حكم قناصلها إلى جور الإسكندر وأحكام بومباي، ومن تسلط السلجوقيين إلى عصا إمبراطرة الغرب الحديدية، ومن العرب إلى يد الإفرنج دفعت شعوب سوريا كالعبيد وسيقت كالنعاج، وهذه الأرض المزهرة المثمرة استثمرها اليونان وهدمها العرب واستعبدها الإفرنج. إنها لبلاد تضم كل قوى الحياة هذه البلاد التاعسة التي ساطتها كل العصور وداست على قلبها كل الشعوب ولم تزل تتنفس وفي عروقها دم وفي صدرها حياة.
لا يكاد يوجد مكان كسوريا تتجلى فيه عظمة الخالق في بدائع خلقه وضلال الإنسان في آثار تعصبه وقساوته وضلاله. لا توجد بدلا حملت كسوريا استبداد الملوك العديدين وبربرية الجنود وعواصف الحروب.
لقد تغير وجه سوريا مئة مرة منذ اثنتي عشر قرناً وتتابعت الحكومات العديدة على هذه البلاد، وكل واحدة منها تدفع أقوامها شوطاً بعيداً عمن