وفهمت أي فراغ تملأ في الكون؟ وأية دعامة هي للثروة الحقيقية والتقدم الصحيح فوجهت إليها عناية خاصة، وسنت لها قوانين ونظامات حافظة. ونعم ما هي فاعلة.
على أن العمال لم يلفتوا الحكومات إليهم إلا بفضل ما أظهروه من التضامن والتعاضد والتكاثف، فألفوا النقابات والجمعيات، وأسسوا صناديق التوفير والتأمين، حتى أصبحوا هيئة منظمة ذات حول وطول. إذا داعوا سمعت دعواهم. وإن طالبوا أجيبت مطالبهم.
ساءت حالهم، ونكبوا بالضيق والعسر وباتوا في أنحاء المعمور أجمع عرضة للهلاك شقاءً وبؤساً وليس من يمد لهم يد المساعدة إلا الأفراد القليلون. فهبوا هبة واحدة، وعملوا على تنظيم شؤونهم المادية والاجتماعية، فنالوا المنزلة التي يستحقونها في المجتمع الإنساني. وما أشرف منزلة العامل من منزلة. . . .!
ولكن القوة تولد البطر، والسطوة تنتج الاستبداد، ويد الغايات تمتد إلى كل مجموع. اعتصب العمال فنالوا مطالبهم الحقة أحياناً، ورأى بعض الزعماء فيهم قوة تدك العروش، وتهز التيجان على الرؤوس، فاتخذوهم آلة لنيل مآربهم الملتوية. فرأينا الاعتصاب تلو الاعتصاب بحق وبغير حق وتلك الحركة التضامنية - الجميلة في بدايتها - تتحول أحياناً إلى ثورة فوضوية لا رادع لها ولا وازع. فتعرقل التجارة، وتقطع المواصلة، وتضر بالزراعة، وتوقف دولاب الصناعة، وتقوم عقبة كؤوداً، في وجه سير العمران. وكثيراً ما صار هذا التضامن تضامناً إجبارياً أدهى وأضر