التي يرمي إليها هذان الفيلسوفان فواحدة، وما اختلافهما إلا في الطرق المؤدية إلى هذا النتيجة. فواحد يحلق في السماء ويتيه في التصورات الجميلة والأحلام الذهبية. والآخر ينزل إلى الأرض فيضع نفسه بجانب أخوانه التعساء ويبذل النفس والنفيس ليضع حداً لآلاتهم المبرحة ويجبر قلوبهم المنكسرة. وهو لا يصبر على هذا الضيم ولا يتوانى في إنقاذ إخوانه من الحيف المحدق بهم. ذلك لأنه يرى العار كل العار في أن ينظر إخوانه في البشرية يرزحون تحت نير العبودية، فيتألم لآلامهم فقط ولا يرمي إلى انتشالهم من وهدة سقوطهم. لذا أبت نفسه الشريفة إلا أن تستبيح ما حرمته الحكومة فتثير أفكار الفلاحين عليها ليطالبوا بحقوقهم المهضومة وقد كان يصرخ متألماً إلى السلاح! إلى السلاح! ليها الشعب التعس. حتى م ترضخ للذل؟ ألست الشعب صاحب النصرات القديمة والمجد الأثيل؟ فانزع عنك ثوب خمولك فإنه يحول بينك وبين الحقيقة الساطعة. فارتد ثوب الشجاعة لتحفظ مجداً طريفاً وتعيد عزا تالداً أودت به أيدي الوحوش الضارية وحوش الإنسانية.
أما تولستوي فكان ينادي بأعلى صوته: تألموا أيها التعساء فإن العالم مملوءٌ بالمفاسد، وإن ما يدعونه مدنية وارتقاء لهو الانحطاط بعينه فاصبروا يا من مزقت أفكارهم حجب اللانهاية فعرفت أموراً قصرت عن إدراكها أفكار أقرانهم. واحتملوا الآلام، فإنكم بهذا تنالون السعادة وارجعوا إلى أمكم الطبيعة فإنها أكبر مخلص لكم هذا هو وجه الاختلاف بين هذين الحكيمين وهو ينحصر في الطرق كما ذكرت آنفاً ولا يتناول الغاية