للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومادامت المعاني في ألفاظ اللغات كالدرر في الصدف. ولا تكون قيمتها بقائلها بل بنفسها. وإذا دلت على شيء فعلى فضل الأمة الذائعة فيها، والمأثورة عنها. وما قول عنترة العرب إلا حجة:

تعيرني العدا بسواد جلدي ... وبيض شمائلي تمحو السوادا

فتلك الشمائل البدوية لا تنكرها الفضائل الحضرية، ولا العلوم الفلسفية، مادامت حكمة الأمم

مستمدة من أخلاقها لتهذيب أخلاقها، ودام قدر الأمم مرفوعاً بفضائلها، كما يرفع قدر العرب إعلان فضائلهم بين من جهلهم.

وإني موقن بأن ناظماً كغانم، في بطل كعنترة، يستوحي روح ابن شداد بالفرنساوية، لا يعجزه أن يفتح للعربية باريس، وأن يغزو بحمالها أوروبا، إذا صال وجال، وهو يردد وينشد مع العبسي:

حصاني كان دلال المنايا ... فخاض غبارها وشرى وباعا

وسيفي كان في الهيجا طبيباً ... يداوي رأس من يشكو الصداعا

أنا البطل الذي خبرت عنه ... وقد عاينتني فدع السماعا

فأي قلب يجمد، وأي كبد تقسو لمثل هذا الكلام؟ بل أي أريج يفوق أريج زهرياته، إذا وصف الربيع الواصفون، وغناه المغنون وابن شداد هو القائل:

زار الربيع رياضنا وزها بها ... فنباتها جليت بأنواع الحلي

فالروض بين تألف وتهفهف ... وتعطف وتصرف وتململ

بل ما أجمل الباريسية يلبسها غانم دثار البدوية، ويطلق لسانها

<<  <  ج: ص:  >  >>