ذكي الفؤاد رزين بارد الطبع، وقد تقدم منه أحد الضباط طالباً إليه أن يصدر أوامره بالهجوم على الأعداء ولكنه لم يجاوبه بل تبسم ثم التفت إلى ضابطين واقفين حذاءه فأسر إليهما كلمتين فهمنا بعدئذ معناهما إذ أبصرنا فرقتي ممدوح باشا وحقي باشا قد ظهرتا للعيان وأتمتا حركة الالتفاف حول دوموكوس.
وأصبح اليونانيون حينئذ تحت رحمة العثمانيين إذ طوقتهم هؤلاء من الجهات الأربع. فلما تبينا هذه الحقيقة تقدم الملحق العسكري الألماني من أدهم باشا وقال له: إنك تستطيع يا حضرة القائد أن توجد في هذا المكان معركة سيدان أخرى فإن اليونانيين كما ترى قد أخذوا في الشبكة ولن يستطيعوا الانفلات منها فسكت أدهم باشا ولم يكترث لما قيل له. فقلت في نفسي حينئذ أن هذه الحرب إنما تجمع بين السياسة والحرب معاً. فالعثمانيون كما يخيل إلي لا يريدون التمادي في القساوة والضغط على اليونانيين لكيلا يثور عليهم الرأي العام في أوروبا وإلا لكانوا قادرين أن يفعلوا أضعاف أضعاف ما فعلوه.
* * *
ولما أصبح الصباح التالي كان العثمانيون قد بلغوا منتهى آمالهم. وقد أشرفت طلائعهم على لاميا بلاد اليونان الحقيقية، ووطنهم الأصلي القديم. وكان الألبانيون أولئك الشجعان الصناديد لا يزالون يطلقون بنادقهم على العدو الذي كان قد ربط في رؤوس بنادقه المناديل البيضاء كأنما كان يريد أن يقول: رحماكم فإن الصلح قد تم.