للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن خالد في حاجة رجل، فقال له: عده عنّي قضاءها، فقال منصور بن زياد: وما يدعوك إلى العدة مع القدرة! فقال: هذا قول من لا يعرف موقع الصنائع من القلوب، إنّ الحاجة إذا لم يتقدّمها وعد ينتظر به نجحها، لم تتحدّث النفس بسرورها؛ إنّ الوعد مطعم والإنجاز طعام، وليس من فاجأه طعام كمن وجد رائحته وتطعّمه ثم طعمه، فدع الحاجة تختمر بالوعد، ليكون لها عند المصطنع حسن موقع ولطف محلّ.

قال ابن الكلبيّ لهشام بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين، لا تصنع إليّ معروفا حتى تعدني به، فإنه لم يأتني منك سيب على غير وعد إلّا هان عليّ قدره، وقلّ منّي شكره، فقال له: لم قلت ذلك، وقد قال سيّد قومك أبو مسلم الخولانيّ: إنّ أنجح المعروف في القلوب، وأبرده على الأكباد معروف غير منتظر بوعد لا يكدّره مطل.

ووعد المهديّ عيسى بن دأب جارية ثم وهبها له، فأنشده عبد الله بن مصعب الزّبيريّ [قول مضرّس الأسديّ] [الطويل]

ولا تيأسن من صالح أن تناله ... وإن كان قدما بين أيد تبادره

فقال: يدفع لعبد الله جارية أخرى، فقال الزّبيريّ:

وأنجز خير الناس من قبل وعده ... أراحك من مطل ومن طول كدّه

فقال له عيسى بن دأب: ما صنعت شيئا! هلّا قلت: [الرجز]

حلاوة الفضل بوعد ينجز ... لا خير في العرف كنهب ينهز

فقال المهديّ: [مجزوء الكامل]

الوعد أحسن ما يكو ... ن إذا تقدّمه ضمان

وقال بعض البلغاء: دع الوعد يركض ثلاثا، فإن كثير العطاء قبل الوعد قليل، وجليله حقير.

وقال يحيى بن خالد: من لم يبت مسرورا بوعد، لم يجد للصنيعة مطعما وفيه يقول أبو قابوس النّصرانيّ: [البسيط]

رأيت يحيى أتمّ الله نعمته ... عليه يأتي الذي لم يأته أحد

ينسى الّذي كان من معروفه أبدا ... إلى الرجال ولا ينسى الذي يعد

وقال الحارثيّ: [الطويل]

وما روضة داريّة أسديّة ... منمنمة زهراء ذات ثرى صعد

بأحسن من حرّ تضمّن حاجة ... لحرّ، فأوفى بالنّجاح مع الوعد

وقال ابن رشيق: [السريع]

<<  <  ج: ص:  >  >>