أحسنت في تأخيرها منّة ... لو لم تؤخّر لم تكن كامله
وكيف لا يحسن تأخيرها ... بعد يقيني أنها حاصله!
وجنّة الفردوس يدعى بها ... آجله للمرء، لا عاجله
وقال رجل لأبي عمرو بن العلاء: وعدتني بأمر فلم تنجزه! فقال أبو عمرو: من أولى منّا بالعتب؟ أنا وإلا أنت! قال: أنا؛ قال أبو عمرو: لا والله بل أنا، قال: وكيف؟
قال: لأبي وعدتك وعدا فأنت تفرح بالوعد، فبتّ ليلتك جذلان مسرورا وبتّ أنا بهمّ الإنجاز، فبتّ ليلتي مفكرا مغموما بما عاق الدّهر من بلوغ الإرادة فيه، فلقيتني مدلّا ولقيتك مستحييا.
واعتذر بعض الرؤساء لأبي عليّ البصريّ من تأخّر وعد، فقال: في شكر ما تقدّم من إحسانك شاغل عن استبطاء ما تأخّر منه.
***
فنشأت لي من فكاهته نشوة غرام، سهّلت عليّ ائتناف اغترام، فجرّدت دينارا آخر وقلت له: هل لك في أن تذمّه، ثمّ تضمّه؟ فأنشد مرتجلا وشدا عجلا:
***
قوله: «فنشأت»، أي ظهرت وبدت. فكاهة: مزاح. نشوة غرام: سكرة شوق، والغرام: الحبّ المعذّب للقلب. ائتناف: استقبال. اغترام: غرم. ثم ذكر أن يذمه ثم يضمّه، وقد نظمهما الزاهد بن عمران في قوله: [الكامل]
إنّ المئونة والحساب كلاهما ... قرنا بهذا الدّرهم المذموم
كلف الأنام بذمّه وبضمّه ... فتعجّبوا لمذمّم مضموم
وقال ابن شرف في الدينار والدرهم: [الطويل]
ألا ربّ شيء فيه من أحرف اسمه ... نواه لنا عنه وزجر وإنذار
فتنّا بدينار وهمنا بدرهم ... وآخر ذا هم، وآخر ذا نار
وقال ابن رشيق: [المجتث]
صحّفت دالين من دين ... ار يلوح ودرهم
فقال لي ذلكم «ذي ... نار» وذا قال: «ذرهم»
وابن رشيق وابن شرف أديبا القيروان، يجمعهما البلد والزّمان، وكانا مرّة يتصاحبان، ومرّة يتباغضان.
وقال ابن رشيق في مدح الدينار والدرهم: [الوافر]