للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الأخطل خليعا، فأثنى هنا على الممزوجة، وقال في التي لم تمزج: [الوافر]

وكأس مثل عين الديك صرف ... تنسي الشاربين لها العقولا

إذا شرب الفتى منها ثلاثا ... بغير الماء حاول أن يطولا

مشى قرشيّة لا شكّ فيها ... وأرخى من مآزره الفضولا

***

وأصبح عبد الملك يوما في غداة باردة، فأنشد هذه الأبيات، ثم قال: كأن الأخطل الآن في حانوت خمار محلّل الإزار، مستقبل الشمس، ثم بعث من يطلبه بدمشق، فوجده كما وصف.

وقال له يوما: ألا تسلم فنفرض لك في الفيء ونعطيك عشرة آلاف درهم؟ قال:

فكيف بالخمر؟ قال له عبد الملك: وما تصنع بها، وإنّ أوّلها مرّ وآخرها سكر! قال الأخطل: وفيما بين هاتين منزلة ما يسرّني لك بها.

وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه وقد أعطي كأس خمر ممزوجة: [الكامل]

إنّ التي ناولتني فرددتها ... قتلت- قتلت- فهاتها لم تقتل (١)

كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل

فدعا بالقتل على الذي أعطاها له ممزوجة.

وذكر الحريري في الدّرة البيتين، وقال في قوله: «أرخاهما» القياس: أشدّهما إرخاء للمفصل، لأن أصل هذا الفعل أرخى، فبناؤه ليس مقيسا كما قالوا: ما أحوجه إلى كذا فبنوا من حوج، إن كان قياسه: ما أشدّ حاجته.

ولهذين البيتين حكاية يحسن أن نعقبهما بروايتها، ونضوع نشرهما بنشر ملحها، وهي ما رواه أبو بكر محمد بن القاسم الأنباريّ عن أبيه، قال: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الربعيّ قال: حدثنا أحمد بن عبد الملك بن السماك السعديّ قال: حدّثنا أحمد بن ظبيان الحائز، قال: اجتمع قوم على شراب لهم، فغنّاهم مغنيهم بشعر حسان: «إن التي» البيتين، فقال بعضهم: امرأتي طالق إن لم أسأل الليلة عبيد الله بن الحسن القاضي عن علّة هذا الشعر، لم قال: «إن التي»، فوحّد، ثم قال: كلتاهما، فثنّى؟ فأشفقوا على صاحبهم وتركوا ما كانوا عليه، ومضوا يتخطّون القبائل، حتى انتهوا إلى بني شقرة وعبيد الله بن الحسن يصلّي، فلما فرغ من صلاته قالوا: قد جئناك في أمر قد دعتنا إليه ضرورة، وشرحوا له خبرهم، وسألوه الجواب، فقال: [الكامل]

* إنّ الّتي ناولتني فرددتها*


(١) البيتان في ديوان حسان بن ثابت ص ١٢٤، ولسان العرب (قتل)، وأساس البلاغة (قتل)، وتاج العروس (قتل)، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٠٧، ومقاييس اللغة ٥/ ٧٥، والمخصص ١١/ ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>