للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونصل بهذا النّمط، ما قيل في نبيذ الزبيب، قال أبو الأسود الدؤليّ: [الطويل]

دع الخمر يشربها الغواة فإنّني ... رأيت أخاها مغنيا بمكانها (١)

فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه ... أخوها غذته أمّه بلبانها

يقول: إن لا يكن الزبيب الخمر أو الخمر الزبيب، فإنهما أخوان غذيا بلبن واحد وهي الحبة التي هي أصل العنب والزبيب؛ فأحدهما ينوب مناب الآخر، وأنشد الحامضي: [الطويل]

تركت الحميّا لست أختار شربها ... وما حاجتي في أن أسرّ الأعاديا

ولكنّ أخرى من نبيذ معتق ... يمنّيك إن أكثرت منه الأمانيا

أخو الخمر من عنقودها غير أنهم ... إذا قطعوها جفّفوه لياليا

وقال المأمون: نقلت هذا المعنى بأبيات ملوكية لا تحضر السوقة بمثلها: [الوافر]

صلّى النّدمان يوم المهر جان ... بكأس من معتّقة الدّنان

بكأس خمر وإنّي عتيق ... فإنّ العبد عبد خمرواني

وجنبنّي الزّبيبين طرّا ... فشأن ذوي الزّبيب خلاف شأني

فأشربها وأزعمها حراما ... وأرجو عفوا ربّ ذي استنان

ويشربها ويزعمها حلالا ... وتلك على الشّقيّ خسارتان

سأل رجل شريحا القاضي: هل النبيذ حلال أم حرام؟ فقال: حلال، قال: قليله خير أم كثيره؟ قال: قليلة، قال الرجل: ما رأيت حلالا وقليله خير من كثيره إلا هذا.

وقال قتيبة بن مسلم لقاضي مرو: بلغني أنك شربت النبيذ، قال: نعم أصلحك الله! أشرب منه ما يسلّي العقل ويطيب النفس، ويغني عن الماء، ويهضم الطعام، قال: فما أبقيت؟ قال: أبقيت أخبثه وأردأه، الاتّكاء على الشمال، ومنادمة الرجال، والاختلاف إلى المبال.

وترك رجل النبيذ فقيل له: لم تركته وهو رسول السرور إلى القلب؟ قال: ولكنه بئس الرسول لم يبعث إلى الجوف فيذهب إلى الرأس.

***


(١) البيتان في ديوان أبي الأسود الدؤلي ص ١٦٢، ٣٠٦، والبيت الأول في لسان العرب (كون)، وتاج العروس (كون)، وبلا نسبة في المخصص ١٣/ ٢١٩، والبيت الثاني في أدب الكاتب ص ٤٠٧، وإصلاح المنطق ص ٢٩٧، وتخليص الشواهد ص ٩٢، وخزانة الأدب ٥/ ٣٢٧، ٣٣١، والرد على النحاة ص ١٠٠، وشرح المفصل ٣/ ١٠٧، والكتاب ١/ ٤٦، ولسان العرب (كون)، (لبن)، والمقاصد النحوية ١/ ٣١٠، وبلا نسبة في الإنصاف ٢/ ٨٢٣، وشرح الأشموني ١/ ٥٣، والمقتضب ٣/ ٩٨، والمقرب ١/ ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>