فأسفر حينئذ وجه حامد، وقال لعليّ بن عيسى: ما ضرّك يا بارد أن تجيب ببعض ما أجاب به قاضي القضاة، وقد استظهر في جواب المسألة بقوله سبحانه أولا، ثم بقول الرسول عليه الصلاة والسلام ثانيا، وبيّن الفتيا وأدّى المعنى، وتفصى من العهدة، فكان خجل عليّ بن عيسى من حامد بهذا الكلام أكثر من خجل حامد منه، لما ابتدأه بالمسألة وتبع حسان مسلم بن الوليد، فقال وأحسن: [الطويل]
إذا شئتما أن تسقياني مدامة ... فلا تقتلاها كلّ ميت محرم (١)
خلطنا دما من كرمة بدمائنا ... فأظهر في الألوان منّا الدم الدم
وقال أبو نواس في الصّرف: [الخفيف]
وكميت أرّقها وهج الشم ... س وصيف يفنى بها وشتاء
لم يشنها الطاهي بطبخ ولا غيّر ... ها عن طبيعة الكرم ماء
وقال فيه أيضا [الطويل]
توارت عن الأبصار من عهد آدم ... حذارا لكون الماء يوما قرينها
فصنها عن الماء القرح واسقني ... فإنك إن لم تسقني متّ دونها
وعلى أنه القائل: [الطويل]
ألا دارها بالماء حتى تلينها ... فلن تكرم الصّهباء حتى تهينها
وقال أبو نواس لإخوانه في مرض موته: إياكم والخمر صرفا فإنها أحرقت كبدي، قال ابن رشيق: [الكامل]
قدر المدامة فوق قدر الماء ... فارغب بكأسك عن سوى الأكفاء
ما لي ومزج الرّاح إلّا في فمي ... بالرّيق من فم غادة حسناء
ذاك المزاج وإن تعدّاني الّذي ... في لمزن من ذي رقّة وصفاء
أشهى وأبلغ في الفؤاد مسرّة ... من غيره وأدبّ في الأعضاء
لي الصّرف إن مزج النّديم ولم أكن ... مستأثرا فيها عن النّداماء
وقال أيضا: [السريع]
قلت لمن ناولني مرة ... ما بي حبّ الغيد بل حبّها
لا تسقي راحك ممزوجة ... واشرب فما يمكنني شربها
ما راحتي في الرّاح إن غيرت ... دعها كما جاء بها ربّها
(١) البيتان في ديوان حسان بن ثابت ص ١٧٩.