للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم أر في الخطوب أشدّ ضرّا ... وآذى من معاداة الرّجال

وذقت مرارة الأشياء طرا ... فما شيء أمرّ من السؤال

ثم قال له: أسمعتك وأنت الحكم، فحكم له، وأمر له بثلاثين ألفا.

وينظر إلى ما نسبه ابن المعذل لحبيب من إضافة ذل السؤال، ما أضافه له عليّ بن الجهم من ذل الاعتذار، وقال يعتذر للمتوكل: [الخفيف]

إنّ ذلّ السؤال والاعتذار ... خطة صعبة على الأحرار

ليس من باطل تورّها المر ... ء ولكن سوابق الأقدار

فارض للسائل الخضوع وللقا ... رف ذنبا بذلّة الاعتذار

إن تجافيت منعما كنت أولى ... من تجافى عن الذّنوب الكبار

أو تعاقب فأنت أعرف با ... لله وليس العقاب منك بعار

وقال أيضا: [الطويل]

هي النفس ما حمّلتها تتحمّل ... وللدهر أيّام تجور وتعدل

وعاقبة الصّبر الجميل جميلة ... وأكمل أخلاق الرجال التفضّل

ولا عار أن زالت عن المرء نعمة ... ولكنّ عارا أن يزول التجمّل

وما المال إلا حسرة إن تركته ... وغنم إذا قدّمته متعجّل

***

قال: فعبس الشّيخ واكفهرّ، واندرأ على ابنه وهرّ وقال له: صه يا عقق، يا من هو الشّجي والشّرق، ويك، أتعلم أمّك البضاع، وظئرك الإرضاع! لقد تحكّكت العقرب بالأفعى، واستنّت الفصال حتّى القرعى، ثم كأنه ندم على ما فرط من فيه، وحدته المقة على تلافيه، فرنا إليه بعين عاطف، وخفض له جناح ملاطف، وقال له: ويك يا بنيّ، إنّ من أمر بالقناعة، وزجر عن الضّراعة، هم أرباب البضاعة، وأولو المكسبة بالصناعة؛ فأما ذوو الضّرورات، فقد استثنى بهم في المحظورات؛ وهبك جهلت هذا التأويل، ولم يبلغك ما قيل، ألست الذي عارض أباه، فيما قال وما حاباه!

قوله: اكفهر، اشتدّ عبوسه، ووجه مكفهر: منقبض كالح، لا يرى فيه أثر بشر ولا فرح اندرأ: اندفع على ابنه بالشتم، هرّ: كشر وجهه وعبسه، صه: اسكت، يا عقق: يا كثير العقوق، ويقال: عق أباه يعقه عقوقا، فهو عاق، ويعدل إلى عقق للمبالغة، كعامر وعمر، وعقّ أباه: لم يعطه وقطع رحمه. ولما قتل حمزة عمّ النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن

<<  <  ج: ص:  >  >>