للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت ولو أنّي أشاء زجرته ... بنفسي للهبّي فهل أنت زاجره

فقال غراب لاغتراب من النوى ... وفي البان بين من حبيب تجاوره

فما أعيف اللهبيّ لا درّ درّه ... وأزجره للطّير، لا طار طائره

وممن زجر لنفسه بشرّ ذو الرّمة فقال: [الطويل]

رأيت غرابا ساقطا فوق قضبة ... من القضب لم ينبت لها ورق خضر (١)

فقلت غراب لاغتراب وقضبة ... لقضب النوى، تلك العيافة والزّجر

وممن زجر بخير أبو حيّة، حين قال: [الطويل]

وقال صحابي هدهد فوق بانة ... هدى وبيان بالنّجاح يلوح

وقالوا دم، دامت مواثيق بيننا ... ودام لنا حلو الصفاء صريح

وقالوا حمامات، فحمّ لقاؤها ... وطلح فزيرت والمطيّ طلوح

ومن ملح الزّجر زجر أبي نواس، وذلك أنه استخفى عنه أصحابه، وكان لا يفارقهم، ووجّهوا رسولا إليه، فرمى له ظهر قرطاس من وراء الباب، غير مكتوب، وخرموه بزير، وختموه بقار، وأمروا الرسول أن يرمي إليه الكتاب من وراء الباب، فاستعلم موضعهم، وتعرف حالهم، وكتب إليهم: [الوافر]

زجرت كتابكم لمّا أتاني ... بمرّ سوانح الطّير الجواري

نظرت إليه مخروما بزير ... على ظهر ومختوما بقار

فعفت الظّهر أهيف قرطقيّا ... يحار الطّرف منه باحورار

وكان الزّير ذا شدو مصيب ... وقار الختم من قار العقار

فطرت إليكم يا أهل ودّي ... بقلب من هواكم مستطار

فكيف ترونني وترون زجري ... ألست من الفلاسفة الكبار!

وما أحسن قول ابن قاضي ميلة وجمع الوصفين: [الطويل]

ولمّا التقينا محرمين وسيرنا ... بلبّيك يطوى والرّكائب تعسف

فقلت لتربيها أبلغاها بأننّي ... بها مستهام قالتا: نتلطّف

تفاءلت في أن يطوى طارق الهوى ... بأن عنّ لي منها البنان المطرّف

وأمّا دماء الهدي فهو تواصل ... يدوم ورأي في الهوى يتألّف

وفي عرفات ما يخبّر أنّني ... بعارفة من نيل وصلك أسعف

وتقبيل ركن البيت إقبال دولة ... لنا وزمان بالمودّة يعطف


(١) البيتان في ملحق ذي الرمة ٦٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>