الحجّاج كان يظهر من طاعة أمير المؤمنين ما كنّا نرى له به فضلا، وكان الله قد أطلع أمير المؤمنين من غلّه وغشّه على ما خفي عنّا؛ فلما أراد فضيحته أجرى ذلك على يد أمير المؤمنين فالعنوه لعنة الله. ثم نزل.
ومرّ غيلان بن خرشة الضّبّي مع عبد الله بن عامر بنهر أم عبد الله الذي يشقّ البصرة، فقال عبد الله: ما أصلح هذا النّهر لأهل هذا المصر! فقال غيلان: أجل والله أيّها الأمير؛ يتعلّم العوم فيه صبيانهم، ويكون لسقائهم ولسيل مياههم، ويأتيهم بميرتهم؛ ثم عاد ابن عامر فساير زيادا عليه، فقال زياد: ما أضرّ هذا النهر لأهل هذا المصر! فقال:
أجل والله أيّها الأمير، تنزّ منه دورهم، ويغرق فيه صبيانهم، ويكثر لأجله بعوضهم.
ومدح الجاحظ العروض، فقال: هو ميزان الشّعر ومعياره، به يعرف الصحيح من السقيم، والعليل من السليم، وعليه مدار القريض والشعر، وبه يسلم من الأود والكسر.
ثم ذمّه فقال: هو علم مولّد، وأدب مستبرد، ومذهب مرفوض، تستنكره العقول، مستفعلن فعول، من غيره فائدة ولا محصول.
وكان العباس بن عليّ عمّ المنصور يأخذ الكأس بيده، ثم يقول: أمّا النفس فتسمحين، وأما الهمّ فتطردين، أفتراك منّي تفلتين! ثم يشربها.
وشكا أبو العنياء حاله إلى عبد الله بن سليمان، فقال: أليس قد كتبنا لك إلى إبراهيم بن المدبّر! قال: كتبت إلى رجل قد حصر من همّته طول الفقر، وذلّ الأسر، ومعاناة محن الدهر، فأخففت في طلبتي. قال: أنت اخترته، قال: وما علمي أعزّ الله الامير في ذلك! قد اختار موسى قومه سبعين رجلا وما كان منهم رشيد، واختار رسول صلى الله عليه وسلم ابن أبي سرّح كاتبا فرجع إلى المشركين مرتدّا، واختار عليّ رضي الله عنه أبا موسى حكما، فحكم عليه.
***
قال الحارث بن همّام: فناجاني قلبي بأنّه أبو زيد، وأنّ تعارجه لكيد.
فاستعدته وقلت له: قد عرفت بوشيك، فاستقم في مشيك. فقال: إن كنت ابن همّام، فحيّيت بإكرام، وحييت بين كرام. فقلت: أنا الحارث، فكيف حالك والحوادث؟ فقال: أتقلّب في الحالين: بؤس ورخاء، وأنقلب مع الرّيحين: زعزع ورخاء. فقلت: كيف ادّعيت القزل، وما مثلك من هزل! فاستسرّ بشره الّذي كان تجلّى، ثم أنشد حين ولّى:[المتقارب]