بالذهب ما مسّه أحد، وعليه در منثور، فوجّه الحسن إلى المأمون أن هذا نثار يجب أن يلتقط، فقال المأمون لمن حوله من بنات الخلفاء: شرّفن أبا محمد، فمدّت كل واحدة منهنّ يدها، فأخذت درّة وبقي باقي الدرّ يلوح على الحصير المذهب، فقال: قاتل الله أبا نواس، لقد شبّه بشيء ما رآه قط، فأحسن، في وصف الخمرة والحباب الذي فوقها فقال! [البسيط]
كأنّ صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء درّ على أرض من الذّهب
فكيف لو رأى هذا معاينة!
ويقال: إن الحسن بن سهل نثر في ذلك العرس على المأمون ألف حبّة جوهر، وأشعل بين يديه شمعة عنبر، وزنها مائة رطل، فأمر له المأمون بمائة ألف ألف درهم، وأقطعه مدينة فم الصّلح، وهي قريبة من واسط، وكان العرس بها.
وذكر المبرّد أن الملاحين الذين تصرّفوا في هذا العرس نيّفوا على السبعين ألفا، وكانت جراية السلطان عليهم، ولما بنى المأمون على بوران وأراد غشيانها حاضت، فقالت: أتى أمر الله فلا تستعجلوه! فنام في فراش آخر، فلمّا أصبح دخل عليه أفضل ندمائه يهنئونه ويدعون له فأنشدهم بديها: [المديد]
فارس في الحرب منغمس ... عارف بالطّعن في الظّلم
رام أن يدمي فريسته ... فاتّقته من دم بدم
وأكثر الشعراء في ذلك الإملاك، وأستظرف منها قول ابن أبي حازم الباهليّ:
[مجزوء الخفيف]
بارك الله للحسن ... ولبوران في الختن
يا بن هارون قد ظفر ... ت ولكن ببنت من!
فلما وصلت إلى المأمون قال: لا والله ما ندري أخيرا أراد أم شرّا.
ويشبه هذا أن رجلا أتى رجلا خياطا بثوب ليقطع له منه قميصا، فقال: والله لأفصلنّه لك تفصيلا، لا يدرى أقميص هو أم قباء؟ ففعل ذلك، فقال له صاحب الثوب:
وأنا والله لأدعونّ لك دعاء لا يدرى ألك هو أم عليك؟ وكان الخياط يسمّى بشرا، وكان أعور، فقال: [الرمل]
خاط لي بشر قباء ... ليت عينيه سواء
وأتت المأمون بجهاز لم يسمع بمثله قطّ كان فيه الفرش منسوجة بالذهب.
وقال إبراهيم بن العباس الصّوليّ يهنئ الحسن بمصاهرة المأمون: [البسيط]
هنّتك أكرومة جلّلت نعمتها ... أعلت وليّك واجتثّت أعاديكا