إليك طوى عرض البسيطة عاجلا ... قطار المطايا أن يلوح لها القصر
وكنت وعزمي في الظّلام وصارمي ... ثلاثة أشباح كما اجتمع النّسر
وبشّرت آمالي بملك هو الورى، ... ودار هي الدّنيا، ويوم هو الدّهر
فالبيت الأوّل والثاني نحو بيت البحتريّ، والبيت الثالث نحو بيت ذي الرّمة في التقسيم، وبمثل هذا الكلام يمتدح الملوك وإلّا فلا. ولمّا مدح عضد الدولة بلّغه به من المكانة الغاية القصوى، وفتن بشعره، حتى كان يقول: إذا رأيت السّلاميّ في مجلسي، ظننت أنّ عطاردا نزل من السماء. وسنذكر من شعره ما يحسن.
***
فحين مللنا السّرى، وملنا إلى الكرى، صادفنا أرضا مخضلّة الرّبا، معتلّة الصّبا، فتخيّرناها مناخا للعيس، ومحطّا للتّعريس، فلمّا حلّها الخليط، وهدأ بها الأطيط والغطيط، سمعت صيّتا من الرّجال، يقول لسميره في الرّحال: كيف حكم سيرتك، مع جيلك وجيرتك؟ .
***
قوله:«السرى»، أي السير بالليل. الكرى: النوم. مخضلّة: مبتلّة بالنّدى. الرّبا:
الكدى، واحدها ربوة. معتلّة الصّبا، أي ليّنة الريح. مناخا: منزلا العيس: الإبل يخالط بياضها حمرة. محطّا: منزلا تحطّ به الأحمال. التعريس: النزول بالليل في آخره، وهذا التخيّر الذي ذكر لهذه الأرض، منتزع من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا كانت أرض مخصبة فتقصّدوا في السير وأعطوا الركاب حقّها، فإن الله رفيق يحبّ الرفق، وإذا كانت مجدبة فألحّوا عليها، وعليكم بالدّلجة، فإنّ الأرض تطوى بالليل، وإياكم والتّعريس على ظهر الطريق، فإنه مأوى الحيّات ومدارج السباع»(١).
الخليط: الأصحاب. هدأ: سكن. الأطيط: أصوات الإبل، والغطيط: أصوات الناس النّيام. صيّتا: جهير الصوت. سميره: رفيقه الذي يسمر معه بالحديث. الرّحال: منازل المسافرين، سمّيت رحالا باسم الرّحال التي توضع فيها، والرّحل: اسم لما يحمله البعير من حمله وقتبه وما يوطّأ به تحت الحمل. سيرتك: عادتك. جيلك: أهل عصرك. جيرتك: جيرانك.
***
فقال: أرعى الجار، ولو جار، وأبذل الوصال لمن صال وأحتمل الخليط،
(١) أخرجه ابن ماجة في الطهارة باب ٢١، ومالك في الاستئذان حديث ٣٨، برواية: «إياكم والتعريس على جوادّ الطريق».