للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال جعفر: يا أمير المؤمنين، ما هذا التحكّم؟ قال الرشيد: وكيف؟ قال: يذكر أمير المؤمنين ما وقع اختياره عليه، ونذكر ما اخترناه، ويكون الحكم واقعا بعد، فقال الرشيد: أمرضت، فاستحسنها- يقال: أمرض الرجل: إذا قارب الصواب- ثم قال الرشيد: بل تبدأ يا يحيى، فقال يحيى: أحسن الناس تشبيها النابغة في قوله: [الكامل]

نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر السّقيم إلى وجوه العوّد (١)

وفي قوله: [الطويل]

فإنّك كاللّيل الّذي هو مدركي ... وإن خلت أنّ المنتأى منك واسع (٢)

وفي قوله: [البسيط]

من وحش وجرة موشيّ أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصّقيل الفرد (٣)

فقال الأصمعيّ: أما تشبيهه مرض الطّرف فحسن، إلّا أنه هجّنه بذكره العلة، وتشبيهه المرأة بالعليل. وأحسن منه قول عدي بن الرقاع العامليّ: [الكامل]

وكأنّها بين النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم (٤)

وسنان أقصده النعاس فرنّقت ... في عينه سنة وليس بنائم

وأما تشبيه الإدراك بالليل، فقد تساوى الليل والنهار فيما يدركانه، وإنما كان سبيله أن يأتي بما ليس له قسيم، حتى يأتي بمعنى ينفرد به، ولو قال قائل: إنّ قول النمري في هذا أحسن، لوجد مساغا إلى ذلك حيث يقول: [الطويل]

فلو كنت بالعنقاء أو بسنامها ... لخلتك إلّا أن تصدّ تراني

وأما قوله: [البسيط]

* طاوي المصير كسيف الصّيقل الفرد*

فالطرّماح أحق بهذا المعنى، لأنه أخذه فجوّده وزاد عليه، وإن كان النابغة اخترعه، وقول الطرماح: [الطويل]

يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسلّ ويغمد (٥)


(١) البيت في ديوان النابغة الذبياني ص ٩١.
(٢) البيت في ديوان النابغة الذبياني ص ٣٨، ولسان العرب (طور)، (نأى)، وكتاب العين ٨/ ٣٩٣.
(٣) البيت في ديوان النابغة الذبياني ص ١٧، وبلا نسبة في لسان العرب (فرد)، وتهذيب اللغة ١٤/ ٩٩.
(٤) البيت الأول لعدي بن الرقاع في ديوانه ص ٩٩، ولسان العرب (جسم)، والبيت الثاني في ديوان عدي ص ١٠٠، ولسان العرب (نعس)، (رنق)، (وسن).
(٥) البيت في ديوان الطرماح ص ١٤٦، وأساس البلاغة (ضمر)، والحيوان ٣/ ٤٦٥، وكتاب الصناعتين ص ٨٥، ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>