والفقر يلجي الحرّ حين يرسي ... إلى التّجلّي في لباس اللّبس
فهذه حالي وهذا درسي ... فانظر إلى يومي وسل عن أمسي
وأمر بجبري إن تشا أو حبسي ... ففي يديك صحّتي ونكسي
***
أطرق: أمال رأسه ساكنا. الشّجاع: الحيّة. سماع سماع، أي اسمع منّي، كفء البدر: أي نظيره، والكفء: النّظير والمثل. دبرها: فرجها. قسّي: ذكري. وأصل الدّير للنصارى، والقسّ والقسيس: عالمهم وعابدهم. عدت: جارت وخرجت عن طريقها.
والسّقيا: الشرب، وهي هنا مصدر بمعنى السّقي. والتحسّي: شرب الحسوة، وأراد بالمضغ والتحسّي أكل الخبز واللحم، وحسو مرقه. وقيل: المضغ في الرّخاء والحسو في الشدّة، كاستعمالهم فيها حسو السّخينة وغيرها. وعزّ: قلّ. التأسّي: الاقتداء بالغير، وقد تأسّى تأسّيا إذا اقتدى بفعل غيره وتصبّر، وهذا باب غلبت عليه الخنساء بقولها:
[الوافر]
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي (١)
وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزّي النّفس عنه بالتأسيّ
فزاد عليه ابن العباس الروميّ، في المعنى وبيّنه حتى استحقّه حيث قال: [الوافر]
رأيت الدّهر يجرح ثم يأسو ... يؤسّي أو يعوّض أو ينسّي
أبت نفسي الهلاع لرزء شيء ... كفى رزءا لنفسي رزء نفسي
أتجزع وحشة لفراق إلف ... وقد وطنتها لحلول رمسي
فذهب في هذه الأبيات كلّ مذهب، ثم أراد أن يظهر ما عنده من فضل المنّة وحسن التّصرف، فقال: [الخفيف]
يا شبابي وأين منّي شبابي ... آذنتني أيامه بانقضاب
ومعزّ عن الشّباب مؤسّ ... بمشيب اللّذّات والأصحاب
قلت لما انتحى يعدّ أساه ... بمصاب شبابه بمصاب
ليس تأسو كلوم غيري كلومي ... ما به ما به وما بي ما بي
وكرّر هذا المعنى فأحسن ما شاء، وذهب فيه مذاهب أخرى، فقال: [الطويل]
خليليّ قد علّلتماني بالمنى ... وأنعمتما لو أنّني أتعلّل
أللناس إيثاري وإلّا فما الأسى ... وعيشكما إلّا ضلال مضلّل
(١) البيتان في ديوان الخنساء ص ١٥٣.