وقوله: «أكذب من سجاح» يعني الّتي تنبّأت في عهد مسيلمة الكذاب، وسارت إليه لتناظره وتختبره ثم آمنت به، ووهبت نفسها له؛ وهذا الاسم، مبنيّ على الكسر، مثل حذام وقطام، لكونه من الأسماء المعدولة، واشتقاقه من السّجاحة، وهي السّهولة، ومن قولهم: ملكت فأسجع.
وقولها: «أكذب من أبي ثمامة»، هذه كنية مسيلمة الكذاب، وكان تنبّأ باليمامة.
ومخرق بها، إلى أن سار إليه خالد بن الوليد رضي الله عنه فقتله.
وقوله: «لا نعم عوفك». العوف: الحال، والعوف أيضا الذّكر، ويدعى للباني على أهله فيقال له: «نعم عوفك».
وقوله: «يا دفار يا فجار». هذان الاسمان معدولان من دافرة وفاجرة، والدّفر:
النّتن؛ وبه سمّيت الدّنيا أم دفر؛ وكلّ ما سمّي بصفة غالبة، ثم عدل بها إلى «فعال»، بني على الكسر عند النداء، كقولك: يا لكاع يا خباث، يا دفار يا فجار، ولا يجوز استعمال ذلك في غير النداء إلّا في ضرورة الشعر، كقول الحطيئة: [الوافر]
أطوّف ما أطوّف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع (١)
وأما قوله: «أحمق من رجلة»، فهي ضرب من الحمض تنبت في جاري السّيل فيجرفها.
وأمّا قولها: «الأم من مادر»، فهو رجل من بني هلال بن عامر؛ كان اتّخذ حوضا لسقي إبله، فلمّا رويت سلح فيه، ومدره بسلحه؛ لئلا ينتفع به من بعده.
وأما قولها: «أشأم من قاشر»؛ فإنّه فحل كان في قبائل سعد بن زيد بن مناة بن تميم، ما طرق إبلا إلّا ماتت. وقيل: المراد به العام المجدب، وسمّي قاشرا لقشره ما على وجه الأرض من النبات.
وأما قولها: «أجبن من صافر»، فقد اختلف في تفسيره، فقال بعضهم: عنّى به كل ما يصفر من الطير، وخصّ بالجبن لكثرة ما يتّقيه من جوارح الجوّ ومصايد الأرض. وقيل: إنّه طائر بعينه؛ إذا جنّه الليل تعلّق ببعض الأغصان، ولم يزل يصفر طول ليلته خوفا على نفسه من أن ينام فيؤخذ. وقيل: إنه الذي يصفر بالمرأة لريبة وهو يجبن وقت صغيره مخافة أن يظهر على أمره. وقيل: إنّ المراد به في المثل المصفور به؛ وهو الّذي ينذر بالصّفير ليهرب، فعلى هذا القول فاعل هنا بمعنى مفعول، كقوله تعالى: مِنْ ماءٍ دافِقٍ [الطارق: ٦] أي مدفوق وكقولهم: راحلة بمعنى مرحولة، وهو كثير في كلامهم، وقد جاء «مفعول» بمعنى «فاعل»، كقوله
(١) البيت في ملحق ديوان الحطيئة ص ١٥٦، والدرر ١/ ٢٥٤، وهو لأبي الغريب النصري في لسان العرب (لكع)، وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص ٧٦.