للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: حِجاباً مَسْتُوراً [الإسراء: ٤٥]، أي ساترا. وكقوله تعالى: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا [مريم: ٦١].

وأما قوله: «أطيش من طامر»، فالمراد به البرغوث؛ ويسمّى طامر بن طامر؛ لكثرة وثوبه.

وأما قوله القاضي: «أراكما شنّا وطبقة، وحدأة وبندقة»، فإنه أراد به أن كلّا منكما كفء لصاحبه وقاوم له. ولكل من المثلين تفسير مختلف فيه. أما شنّ وطبقة؛ فإن العلماء مختلفون في معنى قولهم: «وافق شنّ طبقة»، فقال الأكثرون: إنّهما قبيلتان؛ فشنّ هو ابن أفضى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وطبقة حيّ من إياد؛ وكانت طبقة لا تطاق، فأوقعت بها شنّ، فانقصفت منها.

وقال بعضهم: كان شنّ رجلا من دهاة العرب، وكان ألزم نفسه ألّا يتزوّج إلّا بامرأة تلائمه، فكان يجوب البلاد في ارتياد طلبته، فصاحبه رجل في بعض أسفاره، فلمّا أخذ منهما السّير، قال له شنّ: أتحملني أم أحملك؟ فقال له الرجل: يا جاهل وعلى يحمل الرّاكب الراكب! فأمسك وسارا حتى أتيا على زرع، فقال له شنّ: أترى هذا الزّرع أكل أم لا؟ فقال له: يا جاهل، أما تراه في سنبله! فأمسك إلى أن استقبلتهما جنازة، فقال له شنّ: أترى صاحبها حيّا أم لا؟ فقال: ما رأيت أجهل منك، أتراهم حملوا إلى القبر حيّا! ثمّ إنهما وصلا إلى قرية الرجل، فصار به إلى منزله، وكانت له بنت تسمّى طبقة، فأخذ يطرفها بحديث رفيقه، فقالت له: ما نطق إلا بالصواب، ولا أستفهمك إلا عما يستفهم عن مثله ذوو الألباب. أما قوله: أتحملني أم أحملك، فإن أراد: أتحدّثني أم أحدّثك، حتّى نقطع الطريق بالحديث. وأما قوله: أترى هذا الزرع أكل أم لا؟ فإنه أراد: هل استسلف أربابه ثمنه أم لا! وأمّا استفهامه عن حياة صاحب الجنازة، فإنّه أراد به: فخلّف عقبا يحيا ذكره به أم لا. فلمّا خرج إلى الرّجل حدّثه بتأويل ابنته كلامه، فخطبها إليه، فزوّجه إياها، فلمّا سار بها إلى قومه وخبروا ما فيها من الدّهاء والفطنة قالوا: وافق شنّ طبقة، فسار مثلا.

وحكي عن الأصمعيّ، سئل عن تفسير هذا المثل فقال: أظنّ أنّ الشّن وعاء من أدم كان قد استشنّ، فلمّا اتّخذ له غطاء وافقه، ضرب فيه هذا المثل.

وأمّا حدأة وبندقة؛ فإنّه يقال في المثل المضروب لمن يفزع بعدوّه أو يبلى بنظيره:

حدأ حدأ أو وراءك بندقة؛ وكان الأصل حدأة بإثبات الهاء، فرخّم في النداء وقد اختلف في المراد بهما، فقيل: الحدأة هو الطائر المعروف، وبندقة الرامي.

وقيل: إنهما قبيلتان من سعد العشيرة، فأغارت حدأة- وكانت تنزل بالكوفة- على بندقة، وكانت تنزل باليمن، فنالت منهم، ثمّ كرت بندقة على حدأة فأنحت عليهم.

وروى بعضهم هذا المثل: حدا حدا، غير مهموز، على مثال عصا وقفا، وزعم أنّه اسم القبيلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>