للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلّم تسليم البشاشة عليّ، ثم قال: أراقك ذكاء ذاك الشّويدن؟ فقلت: إي والمؤمن المهيمن؛ قال: إنّه فتى السّروجيّ، ومخرج الدّرّ من اللجّيّ. فقلت: إنّك لشجرة ثمرته، وشواظ شررته. فصدّق كهانتي، واستحسن إبانتي. ثمّ قال: هل لك في ابتدار البيت؛ لنتنازع كأس الكميت؟ فقلت له: ويحك! أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة: ٤٤]، فافترّ افترار متضاحك، ومرّ غير مماحك.

ثمّ بدا له أن تراجع إليّ، وقال: احفظها عنّي وعليّ: [السريع]

اصرف بصرف الرّاح عنك الأسى ... وروّح القلب ولا تكتئب

وقل لمن لامك فيما به ... تدفع عنك الهمّ: قدك اتّأب

قوله: ارتحت، أي اشتهيت وطربت. أعجمه: أخبره. مترجمه: ملتبسه. يشتد:

يجري. سمته: طريقه. يفتق رتق: يشقّ غلق. صمته: مبهم أمره والفتق: الخرق، والرّتق: الإغلاق، وهو ضدّه، وذلك أن يضمّ المتخرّق بعضه إلى بعض. التّناجي:

التّحادث. لفت جيده: عطف عنقه. البشاشة: الخفّة وإبداء السرور. أراقك؟ : أأعجبك؟

ذكاء: حذق، والذّكاء: توقّد الذهن. الشّويدن: تصغير شادن، وأراد ابنه. والمؤمن المهيمن، هو الله تعالى، والإيمان: التصديق. وقال أبو بكر بن العربي: البارئ تعالى مؤمن بتصديقه لنفسه بقوله، وذلك حقيقته، قال الله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران: ١٨]، أو بتصديقه لرسله بإظهار المعجزة، أو لأوليائه بإظهار الكرامة، وهما مجازان، والمهيمن: الرقيب الحافظ.

الكسائي: المهيمن: الشهيد. أبو عبيدة: الرقيب، وقد هيمن هيمنة. ابن الأنباري:

القائم على خلقه، قال الشاعر: [الطويل]

ألا إنّ خير الناس بعد نبيهم ... مهيمنه التّاليه في العرف والنّكر (١)

أي القائم على الناس بعده، وأصله «مؤيمن» فأبدلوا من الهمزة هاء كما قالوا:

أرقت وهرقت. وفي مثل مدح هذا الغلام بالذكاء قال الفضل بن جعفر: [الطويل]

فإن خلّفته السنّ فالعقل بالغ ... به رتبة الكهل المرشّح للمجد

فقد كان يحيى أوتي الحكم قبله ... صبيّا وعيسى كلم النّاس في المهد

وقال البحتريّ: [البسيط]

لا تنظرنّ إلى العبّاس من صغر ... في السنّ وانظر إلى المجد الّذي شادا (٢)


(١) البيت بلا نسبة في لسان العرب (همن)، وتهذيب اللغة ٦/ ٣٣٤.
(٢) البيتان في ديوان البحتري ص ٦١٠، وفيه «لا تنظرنّ إلى الفياض» بدل «لا تنظرنّ إلى العباس».

<<  <  ج: ص:  >  >>