للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: «غدت»، أي بكرت. استقلال: ارتفاع وقيام. والركاب: الإبل واحدتها، راحلة. ولا اغتداء الغراب، أي ولا مثل اغتدائه؛ فحذف «مثل» المنصوبة بلا، وأقام «اغتداء» مقامها لأن «لا» لا تنصب المعارف، وأراد أن اغتدائي كان قبل أن يغتدي الغراب، والغراب أكثر الطير بكورا، وهذا وما شابهه في هذا الكتاب مثل قوله: «ولا كيد فرعون موسى»، «ولا انهلال السحب»، «ولا عمرو بن عبيد»، إذا طلبت حقيقة معناه صار المشبّه أقوى من المشبه به، ولم يأت هذا إلا عن العرب، تقول العرب: «فتى ولا كمالك» فيريدون مالكا أفضل من الفتى، ومثله «مرعى ولا كالسّعدان» أي أن المرعى فاضل في طيبه، ولكن السعدان أفضل منه، ومثله: «ماء ولا كصدّاء»، فصدّاء أفضل من ذلك الماء على طيبه، فهذا مذهب العرب في ذكر «لا» بين المشبّهين.

وأما قول الحريري: «غدوت ولا اغتداء الغراب»، فيريد أن غدوّي أبكر من اغتداء الغراب، وكذلك «ولا انهلال السّحب»، وهو يريد أنّ جودهم فوق جود السحاب، لأن كلام العرب: فلأن أبكر من الغراب، وأجود من السحاب، ولا يقولون السحاب أجود من فلان، ولا الغراب أبكر من فلان، ولا فائدة في ذلك، فإذا حققت لفظه «ولا» في تشبيه الحريريّ على ما يجب لها في كلام العرب انقلب المعنى، وإنما اللفظ من كلام عامّة العراق، فاستعملها لأنها عندهم متعارفة وليس بعربية، ومثل هذا قد جوّزه المولدون في أشعارهم، وجاء منه في مقامات البديع كثير. ويستعمل أهل فاسّفي مغربنا لفظة «ولا» في تشبيهاتهم كثيرا جدّا على حدّ استعمال الحريريّ لها، ولا يستعملها أهل الأندلس.

وقال الفنجديهيّ: الرفع في قوله: «ولا اغتداء الغراب»، أكثر مبالغة في التشبيه من النصب.

قوله: «أستقرئ»، أي أتتبع. صوب: جهة وناحية الليليّ: الذى سمع بالليل أتوسّم، أتعرّف وأنظر سمتها. الجليّ: البيّن. لمحت: رأيت. بردان رثّان: ثوبان خلقان. نجيّا ليلتي، أي المتحدّثان فيها، وجعلهما متحدثين مع الليلة مجازا لما أوقعا الحديث فيها، كقوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [سبأ: ٣٣] ولا يمكران إنما يمكر فيهما، فنسب ذلك المكر إليهما. صاحبا روايتي. أي اللذان أروى عنهما هذه القصة.

***

فقصدتهما قصد كلف بدماثتهما، راث، لرثاثتهما، وأبحتهما التّحوّل إلى رحلي، والتّحكم في كثري وقلّي، وطفقت أسيّر بين السّيّارة فضلهما، وأهزّ الأعواد المثمرة لهما، إلى أن غمرا بالنّحلان، واتّخذا من الخلّان. وكنّا بمعرّس نتبيّن منه بنيان القرى، ونتنور نيران القرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>