للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماتوا، قلت: عذريّ؟ قال: عذريّ وربّ الكعبة، قلت: وممّ ذاك؟ قال: لأنّ في نسائنا صباحة، وفي فتياننا عفّة.

وسئل أعرابي منهم فقيل له: ما حدّ الحب عندكم؟ فقال: أعين تتلاحظ وألسن تتلافظ، وعدات تتقضّى، وإشارات تدل على السخط والرّضا. قيل له: فالمباضعة؟ قال:

ذلك طلب الولد، الحبّ إذا نكح فسد.

سفيان بن زياد: قلت لامرأة من عذرة- ورأيت بها هوى غالبا حتى خفت عليها الموت: ما بال العشق يقتلكم معاشر عذرة من بين أحياء العرب؟ قالت: فينا جمال وتعفّف، فالجمال يحملنا على العفاف به، والعفاف يورثنا رقّة القلب، والعشق يفني آجالنا وإنا نرى محاجر لا ترونها.

أبو عمر بن العلاء: حدّثني رجل من تميم، قال: خرجت في طلب ضالّة لي، فبينما أنا أدور في أرض بني عذرة أنشدها، إذا ببيت منعزل عن البيوت، وفي كسره شابّ مغمى عليه، وعند رأسه عجوز بها بقية جمال، ساهمة تنظر إليه، فسلّمت عليها، فردّت السلام، فسألتها عن ضالّتي فلم تعلم بها، فقلت: من هذا الفتى؟ فقالت: ابني، فهل لك في أجر لا مئونة فيه؟ فقلت: والله إني أحبّ الأجر وإن رزئت، فقالت: إن ابني هذا يهوى ابنة عمّ له، علقها وهما صغيران، فلما كبرت خطبها غيره، فأخذه شبيه الجنون، فخطبها إلى أبيها، فمنعه وزوّجها غيره، فنحل جسمه واصفرّ لونه، وذهب عقله، فلما كان منذ خمس زفّت إلى زوجها، فهو كما ترى مغمى عليه، لا يأكل ولا يشرب، فلو نزلت إليه فوعظته! قال: فنزلت إليه فلم أدع موعظة إلا وعظته بها، حتى قلت له: إنهنّ الغواني صاحبات يوسف، الناقضات العهد، وقد قال فيهن كثيّر: [البسيط]

هل وصل عزّة إلا وصل غانية ... في وصل غانية من وصلها خلف (١)

قال: فرفع رأسه محمرّة عيناه كالمغضب، وهو يقول: لست ككثير، إن كثيّرا رجل مائق، وأنا وامق، ولكني كأخي تميم حيث يقول: [الطويل]

ألا لا يضرّ الحبّ من كان صابرا ... ولكنّ ما اجتاب الفؤاد يضير

ألا قاتل الله الهوى كيف قادني ... كما قيد مغلول اليدين أسير

فقلت له: فإنه قد جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابه بي» (٢) فأنشأ يقول: [الوافر]

ألا ما للمليحة لم تعدني ... أبخل بالمليحة أم صدود!

مرضت فعادني أهلي جميعا ... فما لك لم ترى فيمن يعود!


(١) البيت في ملحق ديوان كثير عزة ص ٥٠٥.
(٢) أخرجه الدارمي في المقدمة باب ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>