للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبينما أنا أقلّب العزم، وأمتخض الحزم، تراءى لي شبح جمل، مستذر بجبل، فترجّيته قعدة مريح، وقصدته قصد مشيح؛ فإذا الظّنّ كهانة، والقعدة عيرانة، والمريح قد ازدمل ببجاده، واكتحل برقاده، فجلست عند رأسه؛ حتّى هبّ من نعاسه؛ فلمّا ازدهر سراجاه، وأحسّ بمن فاجاه، نفر كما ينفر المريب. وقال:

أخوك أم الذّئب! فقلت: بل خابط ليل ضلّ المسلك، فأضئ لي أقدح لك فقال:

ليسر عنك همّك، فربّ أخ لك لم تلده أمّك. فانسرى عند ذلك إشفاقي، وسرى الوسن إلى آماقي، فقال: عند الصّباح يحمد القوم السّرى، فهل ترى كما أرى!

***

العزم والحزم: اجتماع رأي الرجل على ما يريد أن يفعله فلا يتردّد فيه. أمتخض:

أحرّك وأحلب، وأراد أنه أخذ يحدّث نفسه ويدبّر رأيه: هل يسري أو يقعد. تراءى، أي ظهر. مستذر: مستعل، والذروة أعلى الشيء، أراد أنه ظهر له شبح جمل، أي شخصه في أعلى جبل. قعدة: بعير يقعد عليه عند الركوب. مريح: مستريح، قد نزل يريح نفسه وبعيره. مشيح: مجدّ. والقعدة: المركوب. والعيرانة: الناقة الصلبة تشبّه بالعير، وهو حمار الوحش.

وازدمل: التفّ. ببجاده: بكسائه. هبّ: انتبه. ازدهر: انفتح وأضاء سراجاه:

عيناه. فأجاه: أتاه على غفلة. المريب: الذي أتى ريبة. أخوك أم الذيب، مثل، كأنه خاطب نفسه، فقال: أأخوك هو الذي رأيت أتى لمؤانستك أم ذئب لإذايتك، وتضمّن الكلام أن الاستفهام وقع بالذي رآه، فكأنه قال له: يا هذا، أأخ أنت أم صاحب فأركن إليك أم عدوّ فأحذرك؟ فأجابه بأن قال له: بل خابط ليل، أي ماش فيه على جهالة. ضلّ المسلك: أخطأ الطريق. أضيء لي: اكشف لي عن حالك. أقدح لك: أكشف لك عن حالي، وهذا أيضا مثل، وفي هذا التباس؛ لأنه إذا أضاء له، أي أعطاه ضوأه أو أظهره له، فأيّ حاجة له في القدح، وهو الضرب بالزّند ليخرج ناره، وإنما معناه أن رجلا كان طلب لآخر ضوءا مثل فتيل يوقده، فتخيّل من صاحبه أنه لا يعطيه، فقال له: أضيء لي، أي أعطني ضوءا فليس عليك فيه تكلّف فإنك إن أتيتني في مثلها فلم تجد لي ضوءا قدحت لك زندي، وتكلفت لك ذلك، ثم استعمل فيمن يطلعك على أمره فتطلعه من أمرك على ما هو أفيد ممّا أطلعك عليه، فمعناه أطلعني على ظاهر أمرك أطلعك على باطن أمري ويروى: «أكدح لك» قال أبو زيد: إذا طلب الرّجل إلى الرجل حاجة فلم يعرف وجهها، قال: أضيء لي أكدح لك، أي بيّن لي فأكدح لك، أي أسعى لك، وكدح لمعيشته: سعى واكتسب، وأضيء: أسرج.

الفنجديهيّ: أضيء لي أكدح لك، مثل يضرب في المساواة بالأفعال، والمعنى:

<<  <  ج: ص:  >  >>