بأخبار ونوادر منوّعة، وكان نهاية في الحذق لا يستطيع من سمعه ألّا يضحك قال: وقفت يوما على باب الخاصّة أضحك النّاس وأتنادر، فحضر خلفي بعض خدّام المعتضد، فأخذت في نوادر الخدم، فأعجب بذلك وانصرف، ثم عاد فأخذ بيدي وقال: دخلت فوقفت بين يدي سيّدي فتذكرت حكايتك فضحكت، فأنكر عليّ، وقال: ما لك ويلك! فقلت: على الباب رجل يعرف بابن المغازلي يتكلّم بحكايات ونوادر تضحك الثّكول، فأمر بإحضارك ولي نصف جائزتك، فطمعت في الجائزة، وقلت: يا سيّدي أنا ضعيف وعليّ عيلة، فلو أخذت سدسها أو ربعها! فأبى وأدخلني فسلّمت فردّ السّلام، وهو ينظر في كتاب، فنظر في أكثره، وأنا واقف، ثم أطبقه ورفع رأسه إليّ، وقال: أنت ابن المغازلي؟ قلت: نعم يا مولاي، قال: بلغني أنّك تحكي وتضحك بنوادر عجيبة، فقلت:
يا أمير المؤمنين الحاجة تفتق الحيلة، أجمع النّاس حكايات أتقرّب بها إلى قلوبهم فألتمس برّهم، فقال: هات ما عندك، فإن أضحكتني أجزتك بخمسمائة درهم، وإن أنا لم أضحك فما لي عليك؟ فقلت للحين: ما معي إلّا قفاي، فاسأل ما أحببت، قال:
أنصفت إن لم تضحكني أصفعك بذلك الجراب عشر صفعات، فقلت في نفسي: ملك لا يصفع إلا بشيء ليّن خفيف، والتفتّ فإذا بجراب من أدم معلّق في زاوية البيت، فقلت:
ما أخطأ ظنّي، عسى فيه ربح إن أضحكته ربحت، وأخذت الجائزة، وإلّا فعشر صفعات بجراب منفوخ شيء هيّن، ثم أخذت في النّوادر والحكايات والنّعاشة والعبارة، فلم أدع حكاية أعرابيّ، ولا نحويّ، ولا مخنّث، ولا قاض، ولا نبطيّ، ولا سنديّ، ولا زنجيّ ولا خادم، ولا تركيّ، ولا شاطر، ولا عيّار، ولا نادرة، ولا حكاية إلا وأحضرتها حتى نفد كلّ ما عندي، وتصدّع رأسي، وفترت وبردت، ولم يبق ورائي خادم، ولا غلام إلا وقد ماتوا من الضحك، وهو مقطّب لا يتبسم، فقلت: قد نفد ما عندي، وو الله ما رأيت مثلك قطّ، فقال لي: هيه، ما عندك؟ فقلت: ما بقي لي سوى نادرة واحدة، قال:
هاتها، قلت: وعدتني أن تجعل جائزتي عشر صفعات وأسألك أن تضعفها لي وتضيف إليها عشر صفعات أخرى. فأراد أن يضحك ثم تماسك، قال: نفعل يا غلام خذ بيده ثم مددت قفاي فصفعت بالجراب صفعة، فكأنّما سقطت على قفاي قطعة من جبل، وإذا هو مملوء حصا مدوّرا فصفعتعشرا، فكادت أن تنفصل رقبتي، وطنّت أذناي وانقدح الشّعاع من عيني، فصحت يا سيّدي، نصيحة، فرفع الصّفع بعد أن عزم على العشرين، فقال: قل نصيحتك، فقلت: يا سيّدي إنّه ليس في الديانة أحسن من الأمانة، وأقبح من الخيانة، وقد ضمنت للخادم الذي أدخلني نصف الجائزة على قلّها وكثرها، وأمير المؤمنين بفضله وكرمه قد أضعفها وقد استوفيت نصفي، وبقي نصفه. فضحك حتى استلقى، واستفزّه ما كان سمع، فتحامل له، فما زال يضرب بيديه الأرض ويفحص برجليه ويمسك بمراقّ بطنه، حتى إذا سكن قال: عليّ به، فأتي به، وأمر بصفعه، وكان طويلا، فقال: وأيش جنايتي؟ فقلت له: هذه جائزتي وأنت شريكي فيها، وقد استوفيت