نحسن، ونعوذ بك من السلاطة والهذر (١)، كما نعوذ بك من العيّ والحصر؛ وقديما تعوذوا بالله من شرهما، ورغبوا إليه في السلامة منهما؛ وقد قال النّمر بن تولب: [الوافر]
أعذني ربّ من حصر وعيّ ... ومن نفس أعالجها علاجا
وقال محمد بن علقمة: [الوافر]
لقد وارى المقابر من شريك ... كثير تحلّم وقليل عاب
صموتا في المحافل غير عي ... جديرا حين ينطق بالصواب
ثم استرسل في ذكر العيّ والبيان إلى غاية بعيدة، واستشهد على النوعين بآيتين؛ بقوله تعالى؛ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ [الأحزاب: ١٩]، وفي الضدبقوله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف: ١٨]، فاحتذى الحريري هذا الحذو، فجاءت تشبيهاته أطبع وأصنع، وزاد عليه بأن ابتدأ بحمد الله على نعمة البيان، ثم استعاذ مما استعاذ منه الجاحظ، وبيان المقابلة في كلامه أنه قابل شرّة بمعرّة واللسن باللكن، والهذر بالحصر؛ فإذا تفهمت مواقعها في كلامه قست عليها ما يشبهها في النظم والنثر وسئل قدامة الكاتب عن المقابلة، فقال: هي أن يضع الشاعر ألفاظا يعتمد التوافق بين بعضها وبعض في المخالفة، فيأتي في الموافق بما يوافق، وفي المخالف بما يخالف، وأنشد في ذلك: [الطويل]
فيا عجبا كيف اتفقنا فناصح ... وفيّ مطويّ على الغشّ غادر
فجعل بإزاء «ناصح»، «وفيّ»، «غاشّا: غادرا». ومثله: [الطويل]
فتى ثمّ فيه ما يسرّ صديقه ... على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا
نستكفي: معناه نسألك ونطلب منك أن تكفينا الافتتان؛ وذلك أن تصاب بفتنة الإعجاب، وأصل الفتنة اختبار الفضة بالنار، قال تعالى في الاختبار: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً [طه: ٤٠] أي اختبرناك، والفتين: الفضة المحرقة، والفتين أيضا: الحجارة المحرقة، وهي الحجارة تدلك بها الأقدام في الحمام، والإطراء: الاسترسال في مدح الإنسان بمحضره، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فأنا عبد الله ورسوله».
إغضاء: تجاوز ومسامحة، وأصله أن يبدو لك الشيء فتدني جفنيك وتقصر نظرك كأنك لم تره، والاغضاء: الإغماض وأغضيت عنه وأغمضت، إذا تغافلت عنه.
المسامح: الموافق لغرضك، والمتجاوز عن عيبك، الانتصاب: الظهور والاعتراض أمام
(١) الهذر: كثرة الكلام في خطأ، والسلاطة حدة اللسان والصخب (القاموس المحيط: «سلط»، و