للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء من ذلك في الشّعر ما يستحسن، قال ابن أبي فنن: أحسن ما قيل فيه قول العباس بن الأحنف: [البسيط]

ما أنس ما أنس يمناها معطّفة ... على فؤادي ويسراها على راسي (١)

وقولها: ليته ثوب على جسدي ... وليتني كنت سربالا لعباس

أو ليته كان لي خمرا وكنت له ... من ماء مزن فكنا الدّهر في كاس

قال الحاتمي: وأحسن دعبل كل الإحسان في قوله: [البسيط]

الله يعلم والأيام دائرة ... والمرء ما بين إيحاش وإيناس (٢)

أني أحبّك حبّا لو تضمّنه ... سلمى سميّك دكّ الشاهق الرّاسي

حبّا تلبّس بالأحشاء وامتزجا ... تمازج الماء بالصّهباء في الكاس

وقال البحتري فأحسن: [البسيط]

تهتزّ مثل اهتزاز الغصن حرّكه ... مرور غيث من الوسميّ سحّاح (٣)

إني وجدتك من قلبي بمنزلة ... هي المصافاة بين الماء والرّاح.

***

وطفق القاضي بعد مسرحهما، وتنائى شبحهما، يثني على أدبهما. ويقول: هل من عارف بهما؟ فقال له عين أعوانه، وخالصة خلصانه: أما الشيخ فالسّروجيّ المشهود بفضلة، وأمّا المرأة فقعيدة رحله، وأمّا تحاكمهما فمكيدة من فعله، وأحبولة من حبائل ختله، فأحفظ القاضي ما سمع، وتلهب كيف خدع، ثم قال للواشي بها: قم فردّهما، ثم اقصدهما وصدهما، فنهض ينفض مذرويه، ثم عاد يضرب أصدريه، فقال له القاضي:

أظهرنا على ما نبثت، ولا تخف عنّا ما استخبثت، فقال: وما زلت أستقري الطرق، وأستفتح الغلق، إلى أن أدركتهما مصحرين، وقد زمّا مطيّ البين، فرغّبتهما في العلل، وكلفت لهما بنيل الأمل، فأشرب قلب الشيخ أن ييأس، وقال: الفرار بقراب أكيس، وقالت هي: بل العود أحمد، والفروقة يكمد.

***

قوله: طفق، أي جعل. مسرحهما: انصرافهما. تنائى شبحهما: بعد شخصهما، وعين الأعوان: مقدّمهم. والخلصان: الأحباب وخالصة: خيار، فكأنه خيار خيارهم.

قعيدة رحله: زوجته وصاحبة بيته. مكيدة: مكر أحبولة: شبكة. ختله: خداعه. أحفظ:


(١) الأبيات في ديوان العباس بن الأحنف ص ١٥٦.
(٢) الأبيات في ديوان دعبل بن علي الخزاعي ص ٩٤.
(٣) البيتان في ديوان البحتري ص ٤٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>