حتى تراه مورقا ناضرا ... بعد الذي أبصرت من يبسه
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه
إذا ارعوى عاوده جهله ... كذي الضنى عاد إلى نكسه
ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
وقال عتبة بن أبي سفيان لمعلم ولده: ليكن أوّل إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيوبهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت، علّمهم كتاب الله ولا تمهلهم فيه فيتركوه، ولا تتركهم فيه فيهجروه، وروّهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفّه، ولا تنقلهم من علم إلى آخر حتى يحكموه، فإنّ ازدحام الكلام في السّمع مشغلة في الفهم، وعلّمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وهددهم في أدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدّواء قبل معرفة الداء، وجنبهم محادثة النساء، واستزدني بزيادتك إيّاهم ازدك في برّي، وإيّاك أن تتّكل على عذر منّي، فقد اتّكلت على كفاية منك لي.
وأوصى الرّشيد مؤدب ولده الأمين، فقال: إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصيّر يدك عليه مبسوطة، وطاعتك عليه واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن، وعرفه الآثار، وروّه الأشعار، وعلمه السنن، وبصّره مواقع الكلام، وامنعه الضحك إلا في أوقاته، ولا تمرر بك ساعة إلّا وأنت مغتنم فيها فائدة تفيدها له من غير أن تخرق به فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته، فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة، وبالله توفيقكما.
وقال للأصمعيّ: يا عبد الملك، أنت أعلم منّا، ونحن أعقل منك، لا تعلّمنا في ملا، ولا تسرع بتذكيرنا في خلا، واتركنا حتى نبتدئك بالسؤال؛ فإذابلغت الجواب حسب الاستحقاق، فلا تزد إلّا أن نستدعي ذلك منك.
الماوردي: إذا كان لبعض الملوك رغبة في العلم، فلا تجعل ذلك ذريعة للانبساط عليه والإدلال، وكتب شريح إلى معلم ولده: [الكامل]
ترك العلاة لأكلب يسعى بها ... يبغي الهراش مع الغواة الرّجس
فإذا هممت بضربه فبدرّة ... وإذا بلغت به ثلاثا فاحبس
وإذا أتاك فعضّه بملامة ... وعظنه موعظة الأديب الأكيس
واعلم بأنّك ما أتيت فنفسه ... مع ما يجرّعني أعزّ الأنفس
اتصل حمّاد عجرد بالربيع يعلم ولده، فكتب إليه بشار: [مجزوء الخفيف]
يا أبا الفضل لا تنم ... وقع الذئب في الغنم