وذكر ابن الكلبيّ أنها امرأة من خزاعة كانت تبيع العطر فتطيّب بعطرها قوم وتحالفوا على الموت، فماتوا.
وقال غيره: بل هي صاحبة يسار الكواعب، وكان عبدا أسود مشوّه الخلقة راعي إبل، فمتى رأته النساء ضحكن منه، فتوهّم أنهنّ يضحكن من إعجابهنّ بحسنه، فقال يوما لرفيق له: أنا يسار الكواعب، ما رأتني جارية كاعب إلا وعشقتني، فقال له رفيقه: يا يسار، اشرب لبن العشار، وكل لحم الحوار، وإياك وبنات الأحرار، فأبى وراود مولاته عن نفسها، فقالت له: مكانك حتى آتيك بطيب أشمك إياه، فأتته بموسى، فلما أدنى أنفه ليشمّ الطيب جدعته.
ويقال إنه لما راودها قالت له: أهكذا تأتيني بذفرك ووسخك! ادن حتى أعطّرك، فأدخلت يدها تحته وفيها موسى لطيفة قد أعدّتها له، فقبضت على ذكره وخصيته، فاقتطعت الجميع، فخرج فمن رآه على تلك الحالة قال له: ما هذا؟ فيقول: عطر من شمّ. وقيل: كانت تبيع الحنوط وهو عطر الموتى. وقيل: المنشم: الشر نفسه، وقيل:
المنشم ثمرة سوداء منتنة. وقيل فيها غير ما ذكر.
وذكر الحريري في الدرة أكثر هذه الوجوه، وذكر أن كسر شين منشم أكثر وأشهر ويروى بفتحها.
قوله المتائيم: جمع متئم، وهي التي من عادتها أن تلد توأمين، ولما كانت أبياته لا يوجد فيها إلا الألفاظ المزدوجة، سمّيت متائيم، وقيل: المتائيم: جمع توأم على غير قياس. المشائيم: جمع مشئام، وهو الكثير الشؤم، وشبّه بدرّة غواص في بياضه ورقة ديباجه. وجؤذر قناص، هو الظبي الفاتر العينين، والقنّاص: الصياد، فكأنه يصطاد بعينيه من نظر، وإن أضفت جؤذر إلى القناص فمعناه مستقيم، فيصفه بالخوف وكثرة التلفّت خشية أن يصاد. وما أحسن ما قال صاحبنا الوزير الحسيب أبو المطرّف الزّهري في هذا المعنى وكان جالسا في باب داره مع زائر له، فخرجت عليهما من زقاق جارية سافرة الوجه كالشمس الطالعة، فحين نظرتهما على غفلة نفرت خجلة فزعة، فرأى الزائر ما أبهته، فكلّفه وصفها، فقال مرتجلا:[البسيط]
يا ظبية نفرت والقلب مسكنها ... خوفا لختلي أو عمدا لتعذيبي
لتأمني فابن عبد الحيّ ألحقنا ... عدلا يؤلف بين الظبي والذيب
وكأن ابن رشيق وصف هذا الغلام الكاتب حيث قال:[السريع]
وفاتر الأجفان ذي وجنة ... كأنها في الحسن ورد الرّياض
قلت له: يا ظبي خذ مهجتي ... داوي بها تلك الجفون المراض