قوله: «خلبنا»، أي خدعنا. علمنا ما وراء برقه، يريد أن ما أبدى لهم من الكلام الفصيح دلّهم على ما عنده من العلم، كما أن البرق إذا ظهر ولمع علم ما وراءه من المطر. ابتدرنا: استبقنا، التّرحاب: من قولهم. مرحبا مرحبا. هيّا هيّا، أي سق سق.
هلم ما تهيّا، أي أحضر ما تيسر. لا تلمّظت بقراكم: لا تذوّقت بطعامكم، وأصل التلمّظ تتبع اللسان ما بقي من الطعام في الفم بعد الأكل. كلا: ثقيلا، وفلان كلّ على أهله، إذا لم يكفهم مئونة نفسه، والكلّ: الإعياء، وجمعه كلول، وعلى فلان كلّ كثير، قال النابغة الجعديّ: [الطويل]
رأيتم بني سعد كلولا كثيرة ... شهيد بذاك ابنا حماد بن أحمرا (١)
تجشّموا: تكلفوا أكلا: طعاما، والأكلة: الغداء والعشاء، والأصل في هذا أنّ الأكل بالفتح، مصدر أكل، وبالضمّ ما أكل، والأكلة بالفتح: المرّة الواحدة، وبالضم اللقمة، وبالكسر هيئة الأكل. هاضت: أضعفت، وأدخلت عليه هيضة، وهي القيء والاسهال، وأصل المثل: رب أكلة تمنع أكلات؛ وقال ابن هرمة: [الوافر]
وربّت أكلة منعت أخاها ... بلذّة ساعة أكلات دهر
وكم من طالب يشفى بشيء ... وفيه هلاكه لو كان يدري
والمآكل: جمع مأكلة أو مأكل، وهي الأكل، وهي أيضا ما يؤكل سام التكليف، أي عرّض مضيفه إلى تكلّف ما يشقّ عليه. والأذى: الضرر، والمضيف: صاحب المنزل.
يفضي: يؤول. سار سائره: انتشر التحدّث به ومشى في الناس خير العشاء سوافره؛ بواكره، أي ما أكل منه بضوء النهار، واحدها سافرة، والسافرة: التي سفرت نقابها عن وجهها، أي كشفته؛ فكأن اللقمة إذا أبصرتها عند أكلها قد سفرت الظلام عن نفسها، وتجمع على سوافر على هذا المعنى، حكى أبو بكر بن شعبان النحويّ، قال: دخلت على محمد اليزيديّ وهو يتغدّى، فقال: يا أبا بكر، خير الغداء بواكره، فخير العشاء ماذا؟ فقلت: لا أدري، فقال:
دخلت على حسين بن الخادم، وهو يتغدّى فقال: يا أبا سليمان، خير الغداء بواكره، فخير العشاء ماذا؟ فقلت: لا أدري، فقال: كنت بحضرة الرشيد وهو يتغدّى، فدخل الأصمعيّ، فقال: يا أصمعيّ، خير الغداء بواكره، فخير العشاء ماذا؟ فقال: بواصره، يعني ما يبصر من الطعام قبل الظلام. وحكى أبو يعقوب في الغداء التأخير. فقال: قال الحكيم- وقيل هو لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه- من سرّه البقاء ولا بقاء، فليبكر الغداء، وليباكر العشاء، وليخفف الرّداء- يريد ثقل الدّين.
التعشّي: أكل العشاء، وهو ما يؤكل بالعشيّ. يعشي: يورث العشا، وهو سواد البصر ليلا، قال ابن دريد: [مجزوء الكامل]
(١) البيت في ديوان النابغة الجعدي ص ٦٥.